سالم مشكور
مرة أخرى يحبس الكيان الصهيوني أنفاسه تحسباً لرد انتقامي إيراني. المرة السابقة كانت بعد قصف طائرة مسيرة إسرائيلية للقنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من شهر نيسان الماضي. بعد ذلك ظلّت تل أبيب تنتظر الردّ الذي تأخر أسبوعين انشغل خلالهما محلّلوهم السياسيون والعسكريون في الحديث عن احتمالات الردّ ومكانه وحجمه، حتى وصلوا إلى مرحلة بدوا فيها مستعجلين الردّ كيفما كان للخروج من حالة القلق والترقب، التي كانت تسود الداخل الإسرائيلي، حتى جاء الرد بعد أسبوعين بشكل غير متوقع وبطريقة جلبت انتباه الخبراء العسكريين، رغم محاولات التعتيم على تفاصيلها. اليوم تبدو ساحتهم تعيش ذات القلق والترقب السابقين، بعد أن أقدمت إسرائيل على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس أثناء زيارته لطهران. أرادت من ذلك تحقيق هدفين، الأول: تصفية هنية كرئيس للمكتب السياسي، والذي يقود المفاوضات لإنهاء الحرب في غزة، والثاني: تسجيل هدف في المرمى الإيراني عبر القول إنهم يصلون إلى عقر دارهم، خصوصا اذا ما ثبت بأن الأمر تم بفعل اختراق استخباري لأحد أهم المؤسسات الأمنية. في كلتا الحالتين فإن لإسرائيل هدفا ثالثا هو استعادة هيبتها، التي تحطمت على صغرة غزة وأنفاقها العصية على الاختراق، والقول إنه متفوقة استخبارياً، وهو ما قد يدعم ساحتها الداخلية، ويمد في عمر حكومة نتنياهو المرتبط بحرب غزة واستمرارها.
لا يريد نتنياهو إنهاء الحرب، لذلك فهو يتباطأ في المضي في المفاوضات مع حماس. انتهاء الحرب وأزمة الرهائن يعني انتهاء عمر حكومته، ومواجهته لاتهامات عدة قد تنتهي به إلى السجن. الإدارة الأميركية تضغط عليه منذ شهور لإنهاء حرب غزة، التي أحرجت كل داعمي إسرائيل وعلى رأسهم الولايات المتحدة وتسببت في احتجاجات داخلية ومطالبات بوقف الدعم المقدم لتل أبيب. تظاهرات واعتصامات حاشدة اجتاحت الجامعات الأميركية وتسببت في استقالة رؤساء العديد منها بضغط من اللوبي الصهيوني. التظاهرات- وفيها تشارك أعداد كبيرة من اليهود الاميركيين- كانت تحيط بمبنى الكونغرس عندما كان نتنياهو يلقي فيه كلمة مليئة بالأكاذيب والإثارات العاطفية المفضوحة، محاولا جلب الدعم العسكري والسياسي الأميركي. خلال خمسين دقيقة وقف له اغلب الحضور خمسين مرّة مصفقين بحرارة، في عملية أداء واجب حيال اللوبي الصهيوني، الذي كان وراء فوز أغلبهم في الانتخابات، وفق ما صرح به سكوت ريتر الدبلوماسي الأميركي السابق، والذي قال في حديث تلفزيوني إن إسرائيل تسيطر على مفاصل السياسة في أميركا.
ويبدو أن نتنياهو لم يعد من واشنطن بالدعم فقط بل بضوء أخضر بشن عمليات اغتيال عدّة توزعت بين بيروت وطهران وبابل في العراق. ورغم ادعاء واشنطن بان نتنياهو لم يخبرها بالقصف، إلّا أنه مجرّد تنصل تحاشياً لشمول قواعدها وسفاراتها عمليات الانتقام. ورغم تصريح بايدن بأن على تل ابيب ألّا تتوقع دعما اميركيا في حال توسيعها رقعة الحرب، إلّا أن وزير الدفاع الأميركي أكد دعم بلاده الكامل لإسرائيل اذا ما دخلت حرباً. ليس أمام بايدن فرصة ولاية ثانية، حتى يتحاشى أية حرب تؤثر في أصواته الانتخابية، فقد تراجع عن الترشح وبإمكانه، فيما تبقى له من عمر حكومته، التوقيع على قرارات تنفيذية لتقديم الدعم المطلوب اسرائيلياً، فيما تحاول نائبته وخليفته في الترشيح كامالا هاريس النأي بحزبها عن دعم نتنياهو وجرائمه في غزة.
ما لم يفهمه الكيان الصهيوني وداعموه حتى الآن هو أن الخط الذي يواجهونه لا تفت عضده اغتيالات ولا قصف. فقد بات هذا النهج مزيجا من الثورية الشيعية التي تعتبر الموت في سبيل الله إحدى الحسنيين، والصلابة الفلسطينية التي أثبتت العقود الماضية، وجددها صمود غزّة، أن الموت لن يستطيع إجبارهم على ترك أرضهم.
حتى الآن فإن إيران تلوّح برد فيه مفاجآت، وهو ذات الأسلوب السابق في اللعب بأعصاب الإسرائيليين، الذين يترقبون ويحللون كما فعلوا من قبل. قد لا يكون رد الفعل الايراني إيرانياً فقط، بل من كل الجهات التي تعرضت للاعتداء. أما دول المنطقة فهي تترقب أيضاً، لأنها لن تكون في منأى عن أي توسيع لدائرة الحرب