سُلّم الرواتب بين إرث بريمر وعراقيل البيروقراطيَّة

آراء 2024/08/06
...

 د. صادق كاظم

يوجد أكثر من أربعة ملايين موظف في البلاد يتوزعون بين العديد من الوزارات والمؤسسات، ويتقاضون رواتب تصل إلى نحو 43 مليار دولار سنويا، وهو ما يعادل نصف مبيعات البلاد من البترول. هؤلاء الموظفون يعانون من تمايز حقيقي في الأجور والرواتب بعد أن ابتكر الحاكم الأمريكي المدني السابق في العراق بول بريمر نظاما عجيبا وهجينا للرواتب، حيث خص بعض الوزارات بامتيازات وأجور مرتفعة

فيما عانت وزارات أخرى من قلة الأجور، ليصبح هناك فارق شاسع بين الموظفين، رغم أنهم من نفس المستوى والدرجات الوظيفية. هذا النهج الذي قام به بريمر سابقا، حافظت عليه الحكومة والعاملين في تلك الدوائر والمؤسسات ذات الرفاهية المالية العالية لاحقا، ومن دون أي تغيير بعد أن تذوقوا شهد هذه الفوارق والامتيازات، رغم وجود العديد من الأصوات التي طالبت بتوحيد سلم الرواتب والغاء الفروقات والامتيازات وجعل موظفي الدولة في مستوى واحد وثابت وعادل، إلا أن تلك المطالبات ضاعت وتبددت في دهاليز العقليات البيروقراطية ولم تحرك الحكومات السابقة أمامها ساكنا من اجل تغيير هذا الوضع. يبدو ان السيد بريمر كان يفكر بالعقلية الأمريكية الرأسمالية عندما وضع هذا الأساس في التفاوت المالي بين وزارات ومؤسسات الدولة، حيث تم تبني نمط الشركات الرابحة والخاسرة، اذ كان هذا الموضوع في ظاهره التحفيز، لكنه تجاهل أو تناسى في بواطنه، أن جميع مؤسسات الدولة العراقية كانت تدار ولا تزال وفق النمط الاشتراكي، الذي يقوم على احتكار الدولة لجميع المؤسسات والإنفاق عليها من الميزانية المركزية، بغض النظر عن كونها خاسرة أو رابحة، فضلا عن جمود الاقتصاد العراقي وعدم إمكانية تطويره من خلال مفاهيم الخصخصة والاستثمار، التي طبقت بنجاح في الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا، وكذلك بعض الدول الآسيوية المتقدمة، بينما لم يكتب لها النجاح في العراق، حيث ظل هذا التقسيم الذي ابتدعه بريمر ثابتا بينما لم تتطور المؤسسات، وأصبح موظفوها محتفظين بتلك الامتيازات المالية الضخمة، مقارنة بأقرانهم في المؤسسات الأخرى. كما أن مؤسسات النخبة التي تعرف بالرئاسات الثلاث، التي تضخمت وتورمت أعدادها بشكل كبير أوجدت لنفسها هي الأخرى امتيازات واجور ورواتب بلغت 200 بالمئة عن أجور الموظفين في باقي الوزارات والمؤسسات، رغم أن أعداد منتسبي هذه المؤسسات لا تتناسب مع طبيعة عملها الذي لا يحتاج إلى هذا العدد الكبير من العاملين. إن استمرار بقاء هذا التفاوت إنما يعني أنها تؤسس لفوارق طبقية وظيفية واختلالات مجتمعية، تتناقض مع الجوهر الأساسي لطبيعة دور ومهام مؤسسات الدولة، باعتبارها ذات غايات وأهداف اجتماعية تهدف إلى بناء المجتمعات بشكل صحيح والقضاء على الفقر والبطالة ورفع مستوى العيش الكريم لأبناء البلاد. من الواضح أن هناك فجوات مالية كبيرة بين رواتب الموظفين تصل حاليا إلى 3000 بالمئة أي ما يعادل 30 ضعفا بين أعلى وأقل الأجور، وهي فجوة كبيرة تكشف وجود خلل في طبيعة نظام سلم الرواتب الوظيفي، خصوصا أن 15 % من موظفي الدولة يحتكرون النسبة الأعلى والأضخم من هذا الأجر، والحكومة ومجلس النواب يعملان ومنذ زمن على إعادة تشكيل وتنظيم سلم رواتب جديد يلغي هذه الفوارق والامتيازات ويقللها إلى الحد الأدنى الممكن، فضلا عن أنه ينصف شريحة صغار الموظفين ورفع أجورهم إلى المستوى المعقول.