في حسابات الاغتيالات المزدوجة

آراء 2024/08/08
...

 د. نازك بدير*

صحيح أنّ عمليتَي اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنيّة( في العاصمة طهران) والقائد العسكري في حزب الله فؤاد شُكر(في الضاحية الجنوبيّة لبيروت)  لم  تكونا متوقّعتين، إلّا أنّ نتنياهو استغلّ ما يحصل في الداخل الأميركي لتنفيذ مصالحه الخاصّة في مرحلة ما قبل نضوج رئيس جديد للولايات المتّحدة. في هذا الوقت الضائع

يحاول نتنياهو أن يسدّد قدر المستطاع ضربات عشوائيّة مفردة، وبالجملة ضدّ "خصومه" في محور المقاومة.

 استفاد رئيس حكومة الكيان من الفراغ الحاصل في البيت الأبيض، إذا صحّ التعبير، للضغط على الحكومة الأميركيّة لتقديم الدعم اللازم له؛ فيما "الظلّ المائل" بايدن عاجز عن لجْم حليفه  المتمادي في كسْر الخطوط الحمر بعد سلسلة الإخفاقات الاستخباراتيّة لاختراق فصائل المقاومة داخل قطاع غزّة. 

لا يمكن النظر إلى عدوان 30 يوليو بمعزل عن الجرائم التي ارتكبها نتنياهو، ولا يزال يمضي فيها، ويدمن عليها. تتبوّأ مصلحته الشخصيّة رأس الهرم، متعاميًا عن المصلحة العليا" للكيان" وللمستوطنين، ناهيك عن تدمير قرى وأحياء سكنيّة عن بكرة أبيها، وقتْل عشرات الآلاف، وتشريد أكثر من مليون وتسعمئة ألف فلسطيني من منازلهم. وقد أشار يوسي ميلمان في صحيفة هآرتس" أنّ هدف الاغتيالات هو الانتقام وإشباع رغبات الجمهور الإسرائيلي. بعبارة أخرى، لقد وقعت إسرائيل في حبّ الاغتيالات وربّما أصبحت مدمنة عليها". 

ثمّة هدف أساسي لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في قلب العاصمة الإيرانيّة طهران هو محاولة تحقيق" سراب نصْر" طالما نشده نتنياهو، وإشباع غروره بالقدرة على الضرب في معقل حرس الثورة تعويضًا عن خسارات مُني بها منذ السابع من أكتوبر. حاول توجيه ضربة إلى حماس وداعميها، وفي الآن نفسه، طمح إلى إحداث شرْخ سنّي- شيعي، واتّهام الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة بعدم قدرتها على حماية ضيوفها.

 يرجّح بعض المراقبين تولّي خالد مشعل رئاسة المكتب السياسي للحركة لما يتمتّع به من قدرة على التحرّك خارج الأراضي الفلسطينيّة، والمشاركة في الاجتماعات واللقاءات المتعلّقة بالقضيّة الفلسطينيّة، على عكس يحيى السنوار، إذ تفرض عليه ظروف المعركة مع العدوّ توخّي أعلى درجات الحذر والتخفّي.

عمليّة اغتيال هنيّة قد لا تغيّر في استراتيجيّات القتال، واتّخاذ القرارات المفصليّة في المرحلة المقبلة. لقد تعرّضت حركة حماس إلى اغتيال مؤسّسها "الشيخ أحمد ياسين"  والعديد من قادتها(عبد العزيز الرنتيسي، يحيى عياش، أحمد الجعبري...) واستطاعت سدّ هذا الفراغ.

تجدر الإشارة إلى أنّ بعد السابع من أكتوبر ارتفعت أسهم حماس، ليس في غزّة وحسب، إنّما في الضفّة والقطاع. وبعد الاغتيال، راكم العدوّ، بطريقة غير مباشرة، المزيد من النقاط في رصيد الحركة من حيث الالتفاف الشعبي حولها . 

في حسابات الاغتيالات، فقدت المقاومة رمزَين وازنَين(هنيّة وشُكر)  لكن دماء الشهادة تحفر في الوعي الجمعي. ومع كلّ عمليّة اغتيال لأحد القادة، يرتفع منسوب التكاتف حول وحدة الخطّ، وصدقيّة النهج، وأحقيّة القضيّة، ويزداد التمسّك بالخَيار المقاوم سبيلًا للتحرير.

كاتبة وباحثة لبنانيّة