سعد العبيدي
من المعروف في الأوساط العلمية النفسية أنه كلما زاد التوتر في مجتمع ما، تزداد الآثار السلبية على الصحة النفسية العامة. والعراق يعد مثالاً واضحاً لهذا الواقع، حيث لم يشهد استقراراً في جوانب متعددة (سياسياً، اقتصادياً، اجتماعياً، وأمنياً) منذ ما يقرب من أربعة عقود. ونتيجة عدم الاستقرار هذا، وفقاً للإحصاءات المنشورة، هي ارتفاع معدلات الانتحار والطلاق والجريمة والفساد وتدني مستويات الأداء والرضا عن الحال، مؤشرات تدل جميعها على الاضطراب في الصحة النفسية
العامة.
إنّ التَكرار المستمر للمثيرات السلبية يستنزف الطاقة النفسية للإنسان في أي مكان وزمان، ويفضي إلى العيش في حالة الاضطراب. ويؤدي إلى انهيار الدعم الاجتماعي وإضعاف الروابط الأسرية والمجتمعية، علماً أن أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً في المجتمعات غير المستقرة، والتي يعيش مواطنوها تحت وطأة التوتر المستمر، هي القلق والاكتئاب، ومن ثم الشعور بالعجز واليأس وعدم القدرة على مواصلة العمل بالشكل الصحيح واتخاذ القرارات الصحيحة.. مؤشرات نجدها واضحة في مجتمعنا العراقي، ونجد التعامل معها خاصة على مستوى السياسة قاصرا أو شبه مفقود، إذ بدلاً من اتخاذ خطوات جادة لخفض مستويات التوتر والحفاظ على الصحة النفسية، نرى إصرار البعض على الاستمرار بالمحاصصة والانحياز والطائفية كمثيرات سياسية للتوتر، وبدلاً من التوقف عندها ودراسة الأثر على الإنسان العراقي وصحته النفسية، يصر البعض من السياسيين على المضي قدماً في أهدافهم (تعديل قانون الأحوال الشخصية مثالاً)، مما يزيد من توتر الملايين، ويدفعهم باتجاه الاضطراب.
إن تحسين الصحة النفسية في العراق مهمة صعبة في ظل الظروف غير المستقرة، لكنها حيوية لتمكين الأفراد والمجتمع من العيش الكريم والمستقر، وهي مهمة لا تقع فقط على عاتق الحكومة التي تعودنا تحميلها كل الأعباء، بل وعلى أهل السياسة أولاً وعلى المواطن الفرد والجماعة، وعلى منظمات المجتمع المدني، في سعي مشترك لضمان مستقبل صحي أفضل لأهل العراق.