برامج حواريَّة

الأولى 2024/08/14
...

 كتب: رئيس التحرير


البرامج الحواريَّة السياسيَّة في الفضائيات هي من أكثر الفقرات التي تحظى بمشاهدة الجمهور ومتابعته، لسببين: أولهما ولع العراقيين بالتحليل السياسيّ، فنادراً ما تجد حواراً بين اثنين في مقهى أو سيارة نقل إلا والسياسة مادّته الأساس. وثانيهما: الإثارة والشدّ اللذان يصحبان نقاشاً بين محللينِ متناقِضَيْ المواقف والرؤى، ومع الإثارة يأتي التشويق ومناصرة طرف على طرف والترقّب لمعرفة الغالب من المغلوب.

عدد هذه البرامج كبير، ومتابعة الجمهور لها خلقتْ نجوماً من المقدّمين والمحلّلين، لكنَّ السمة التي تغلب على معظم هذه الساعات المسلّية هي تحوّلها لحلبات مصارعة يحاول كلّ طرف الانتصار فيها بأيِّ ثمنٍ وبأيِّ سلاح. لأنَّ المقدِّم والمحلّل يعرفان أنَّ الجمهور بحاجة دائماً إلى جرعة مفرطة من الإثارة التي أدمنها، فتراهما يتباريان في مضمار المبالغة والتهويل وإيراد الأجوبة الإسكاتيَّة ورفع الصوت والتقليل من أهمّيَّة رأي الغريم ورفع الصوت عالياً، بل اللجوء لقاموس التشاتم أحياناً كثيرة.

يجلب هذا الأداء شهرة لأصحابه، لكنه يضع بينه وبين المهنيَّة الإعلاميَّة سياجاً من نار، والإلحاح عليه مراراً وتكراراً يُثبت أنَّ القنوات نفسها ساعية إلى ترسيخ هذا الأداء المَرَضيّ لتكثير المشاهدات حتى لو كان مضرّاً بصدقيتها ومهنيتها وقاتلاً لسمعتها وسمعة إعلامييها على المدى البعيد.

وراء هذه الإثارة وخلف هذا التشويق هناك رسائل مسمومة تطالعنا أحياناً، بعضها داعٍ إلى العنف وآخر محرِّض على الفتنة، وكثير منها فيه هتك لكرامة الناس.

أظنّ أننا بحاجة إلى ميثاق شرف إعلاميّ للحدِّ من تصدير السموم على هيأة برامج حواريَّة مشوّقة!