استراتيجيَّة الرد الإيراني على إسرائيل

آراء 2024/08/14
...

 ناجي الغزي 


العالم يحبس أنفاسه بتكهن واسع الخيال حول الرد الإيراني على مقتل إسماعيل هنية، رغم أنه يتسم بالجدية والشمولية، ولكن هناك من يشكك في الرد الايراني. حيث أظهرت إيران اهتماماً كبيراً بهذا الحدث على مستوى الإعلام والتصريحات السياسية لكبار المسؤولين. لأنها تعتبر قادة حركات المقاومة في المنطقة كحلفاء استراتيجيين.

لذا من المتوقع أن يكون لديها موقف قوي تجاه أي اعتداءات على هؤلاء القادة. وقد يتضمن الرد الإيراني تعبيرات عن التضامن مع حركة حماس والتأكيد على دعمها للمقاومة الفلسطينية. كما يعكس التزامها بالقوانين والمعايير الدولية والإنسانية، بينما تعبر عن تصميمها بالحفاظ على حقها في الدفاع والرد المشروع والقانوني. 

وتحليل الرد الإيراني على الكيان الإسرائيلي يتطلب فهماً عميقاً وفحصاً دقيقاً لطبيعة السياسة الإيرانية واستراتيجياتها في التعامل مع الأزمات والتهديدات، وفهم كيفية تفاعلها مع الأحداث الإقليمية والدولية. بطريقة تميل إلى تبني نهج مدروس ومحدد، وسيكون حتما رداً ذكيا ومهنيا، يعتمد على أساس المصالح الوطنية الإيرانية. ومن الملاحظ على أن قادة النظام الإيراني يتصرفون بذكاء ودهاء كبير في مثل هذه الأحداث والأزمات السياسية والعسكرية، فهم من يحددون الزمان و المكان وطريقة ومستوى وشروط الرد.

الزمان والمكان: 

إيران قد تختار توقيت رد فعلها بعناية فائقة لتحقيق أكبر تأثير. تحديد الوقت الملائم يمكن أن يكون مرتبطاً بالعوامل الجيوسياسية والضغوطات الدولية. على سبيل المثال، قد تختار إيران التوقيت الذي يتزامن مع انشغال العدو الإسرائيلي والقوى الداعمة له أمريكا بأزمات أخرى، أو عندما يكون حلفاؤها في المنطقة بأتم الاستعداد والجاهزية.

إيران قد تختار توقيتاً ومكاناً للرد يعزز من تأثيرها السياسي والعسكري، وذلك لتحقيق أقصى فائدة لمصالحها الوطنية. اختيار الوقت والمكان المناسب يمكن أن يكون له تأثير كبير على مدى تأثير الرد وتداعياته.

ويكون اختيار المكان ذا أهمية استراتيجية. ويحدد بناءً على تأثيره على السياسة الإقليمية، واحداث واقع سياسي وعسكري جديد. أو قد تكون لإيران رغبة الرد في منطقة معينة ذات أهمية خاصة لأعدائها، يمكن أن يعزز من قدرة إيران على توجيه الرسائل بشكل مباشر.

إيران طلبت من روسيا أسلحة عسكرية متطورة وأنظمة رادار متقدمة ومعدات دفاع جوي استعدادا للحرب القادمة مع إسرائيل. وروسيا لم ترفض طلبا لإيران لأنها تعتمد على طائرتها في حربها مع أوكرانيا، فضلا عن ذلك تتمتع بعلاقات مميزة مع دول الشرق المهمة كالصين وروسيا وكوريا الشمالية منذ خروجها من سياسة الحياد وكسر العزلة والجمود والتوجه بقوة إلى ترسيخ البعد الأمني في السياسة الخارجية.

طريقة ومستوى الرد: 

يمكن لإيران أن تلجأ إلى استخدام قوتها العسكرية بشكل مباشر، سواء عبر شن هجمات صاروخية مكثفة، وفتح جبهات مسلحة أخرى، من خلال تعزيز دعمها لمحور المقاومة في (حزب الله وحماس والحوثيين والفصائل العراقية) لتوجيه ضربات كثيرة ومتعددة ضد أهداف إسرائيلية. تسبقها حرب الكترونية سيبرانية لتعطيل جميع الأجهزة الإلكترونية والرادارات الجوية الإسرائيلية وأجهزة التنصت والرصد الصاروخي. من أجل تحقيق أكبر قدر من الخسائر في صفوف العدو.

ومن خلال قراءة تصريحات طائب مستشار القائد العام للقوات المسلحة الإيرانية حول (السيناريو المصمم للانتقام) يعكس حجم التصعيد الإيراني، ويؤشر إلى احتمال وقوع عمليات انتقامية غير متوقعة. هذا النوع من التهديدات قد يؤدي إلى تصاعد العنف بشكل أكبر، حيث قد تسعى إيران وحلفاؤها في المنطقة للرد على الاغتيالات بطرق غير تقليدية أو غير متوقعة مثل التسلل الذي حدث في 7 اكتوبر أو هجمات مسلحة في الداخل الإسرائيلي.

وإيران قد تختار الطريقة التي تحقق لها أكبر قدر من التأثير مع الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية. ربما قد تفضل أساليب أقل وضوحاً مثل الهجمات عبر الوكلاء في الدول المجاورة أو الهجمات الإلكترونية. لكون تنفيذ عمليات عسكرية مباشرة بوجود البارجات الأمريكية وحاملة الطائرات روزفلت في البحر الاحمر قد تكون له تبعات كبيرة، لأنها تدرك أن أمريكا دافعة وداعمة بقوة للكيان الإسرائيلي. وبالتالي فإن إيران ربما تفضل الرد بصورة غير مباشرة من خلال أذرعتها المقاومة، بدلاً من الرد المباشر من قبل إيران نفسها لضمان عدم التصعيد المباشر.

بالنتيجة إيران هي وحدها من تقرر وتقيم مستوى الرد، بناءً على معطيات الوضع الراهن. إذا كانت هناك رغبة في تفادي التصعيد الكبير، قد تختار إيران استراتيجيات منخفضة المخاطر مثل الرد السابق بطائرات مسيرة، واتخاذ سياسة الردع أو رد الاعتبار.

هذه الردود تسمح لإيران بالحفاظ على مسافة من التصعيد المباشر، وتحقق بعضا من أهدافها الاستراتيجية. وتعتبر هذه العوامل ضرورية في صياغة ردود الفعل الإيرانية، حيث تساعد على ضمان أن يكون الرد متماشياً مع استراتيجياتها طويلة المدى.

الاستفادة من الحدث في التوازن الإقليمي:

الوضع الحالي يعكس تصعيداً كبيراً في التوترات بين إيران وإسرائيل، وهذا التصعيد ليس فقط يمثل تهديداً مباشراً للأمن الإقليمي، بل يمكن أن يؤثر في الديناميات السياسية والتحالفات في المنطقة بشكل كبير. من المهم متابعة التطورات عن كثب وتحليل الأثر المحتمل على الأمن الإقليمي والسياسات الدولية.

والتصعيد العسكري يمكن أن يؤدي إلى توترات عسكرية مباشرة بين إيران وإسرائيل، مما يهدد استقرار دول المنطقة، حيث يمكن أن يكون هناك تأثير مباشر على الوضع العسكري والأمني. وكذلك تؤثر هذه التوترات في أسواق النفط والغاز، خصوصاً إذا تأثرت صادرات الطاقة من المنطقة أو إذا تصاعدت أعمال العنف في مناطق حيوية.

والرد الإيراني السياسي والعسكري المدروس ربما يسهم في تغيير التوازن الإقليمي لصالح إيران. كما تبدو هناك رغبة في استغلال الوضع لتعزيز موقف إيران في المفاوضات أو في تشكيل تحالفات جديدة. وإيران، من خلال تهديداتها وتصعيدها، قد تسعى إلى تعزيز موقفها نفوذها في المنطقة كقوة إقليمية مؤثرة.

إيران في طبيعتها السياسية تميل إلى اتباع استراتيجيات بطيئة ومتأنية في التعامل مع الأزمات، فهي توازن بين التصعيد والتهدئة بناءً على مصالحها الوطنية والقومية. فسياسة الرد والردع المدروس من حيث الزمان والمكان وطريقة الرد ومستوى الرد وشروطه بشكل دقيق، يضمن لها تحقيق أقصى استفادة ممكنة وتحقيق أهدافها الاستراتيجية. مع رغبتها في الحفاظ على النفوذ الإقليمي مع تقليل المخاطر المباشرة والتصعيد.

وهذه الإجراءات بشقيها السياسي والعسكري ما يبرر موقفها من خلال تأكيد انتهاك القوانين والمعايير الإنسانية. في الوقت نفسه تسعى إلى استخدام هذا الوضع كفرصة لتعزيز موقفها في الساحة 

الدولية.