علي حسين عبيد
هنا من يحذرنا بشكل دائم من حالات التهديد التي تتعرض لها ثقافتنا، من جانب الثقافات الغربية على نحو الخصوص، وهي دعوات ليست وليدة الحاضر، بل لها جذور قد تمتد إلى عقود مضت بل ربما قرون، لكن السؤال الذي يجب الإجابة عنه، هل فعلا تمثل الثقافة الغربية تهديدا لوجودنا أو لفكرنا أو لثقافتنا؟
الإجابة ليست سهلة، تحتاج إلى متخصص بالفكر والثقافة العربية والإسلامية، ومع ذلك نستطيع أن نجيب من باب حرية الرأي، أو من باب الاعتقاد الشخصي، بأن الثقافة الغربية فيها أبواب ومنتجات ومخرجات كثيرة، ومثلما يوجد فيها الغثّ فهناك الجيد أيضا، وهذا ما تثبته الأفكار الخلاقة لمفكرين وأدباء غربيين قدماء ومحدثين ومنهم على سبيل المثال روجيه غارودي وشكسبير وتشيخون وغيرهم.
وهذا يعني أن الاختيار متروك لنا، وأن قضية التأثر بهذه الثقافة أو تلك متروكة لنا، فالأفكار في عصرنا اليوم لا يمكن منعها أو محاصرتها في الرفوف المغلقة أو بين دفات الكتب المغيبة والممنوعة، بل صار العالم الأرحب يغص بها، ويقدمها على طبق من بساطة وسهولة لكل من يرغب بها.
قضية الحذر الثقافي لم تعد تخص الحكومات ولا الدول، ولا حتى المؤسسات الفكرية (التحذيرية) أو حتى الدينية، نعم يمكن توعية الناس وتحذيرهم من الأفكار المتطرفة والخطيرة، ولكن قضية الأخذ بها أو رفضها باتت قضية فردية أي تدخل في إطار الحرية الشخصية، فما أرفضه أنا من أفكار قد لا يرفضه شخص آخر، وبالعكس، وهكذا أصبحنا في محنة الوعي وبين مطرقة الاختيار الصائب وسندان التطور العالمي المتسارع.
فهناك من يقول لك يجب أن تتعامل مع الأفكار كلها، ولا تهمل الجديد منها، حتى لا يفوتك قطار التقدم المتسارع، وهناك على العكس يحذرك من التهور والتسرع في اختيار أفكارك لأنها قد تدمر حياتك، وتهيمن على عقليتك وتصرفاتك وتفكيرك وتصيبك بمشكلات فكرية وفلسفية لا حصر لها، لا يستجيب لها الواقع الذي نعيش فيه.
الأمر في غاية التعقيد كما يبدو، فلا نستطيع أن نعزل أنفسنا عن العالم الغربي، لأن حضارة التواصل والخدمات المختلفة تكمن تحت الهيمنة الغربية كما هو الحال مع شركات الإنترنيت ومواقع التواصل أو خدمات النقل والاتصالات والصناعات الأخرى، وهذا يتطلب منا أن لا نعزل عقولنا ورؤوسنا عن العالم، وهو يتطلب منا معالجة هذه القضية بتوازن وذكاء.
من الأفضل أن لا ننهزم أمام أية ثقافة أخرى، بل علينا التعاطي معها على أن نكون محصنين بثقافتنا وأفكارنا الأصيلة، وخصوصا ما يتعلق بالقضايا الإنسانية والابتعاد عن الكراهية، ونبذ التطرف بكل أشكاله، وهي قيم ثابتة في ثقافتنا، وما عدا ذلك أهلا بالأفكار الجيدة المقبولة، غربية أو شرقية، المهم أن يكون مسارها إنسانياً بالدرجة الأولى، وأن لا تحث العقول على الصراع الحضاري
السلبي.