سلام مكي
إن العمر الحقيقي لأي نص دستوري أو قانوني، يتم تحديده عبر مسارين: الأول هو أن ينص الدستور على مدة معينة لنفاذه، وبعدها يتحتم تشريع دستور جديد. والثاني: وهو الأهم والأخطر أن يعجز الدستور عن تلبية الحاجة التي تم من أجلها تم تشريعه.
الدستور العراقي الدائم لعام 2005، ما زال نافذا، فهو يمثل الإطار العام للدولة، وعلى أساسه، تسير العملية السياسية، وتطبق القوانين، ويتم تسيير أمور الدولة. ونظريا فإنه دستور قابل للتعديل، دستور، يمكن تعديله بأي وقت يشاء المشرع. والكل يعلم الظروف السياسية والأمنية والاجتماعية التي رافقت إقرار الدستور، فهو أقر بعد عامين من سقوط النظام، وفي ظروف أمنية صعبة ومعقدة، شهدتها بغداد وجميع المحافظات. أما بخصوص المواطن العراقي، فهو قد خرج لتوه من أسوأ كابوس عرفه تاريخ البلد، كابوس الدكتاتورية الذي بقي جاثما على صدر السلطة لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن، مارس خلالها التجهيل والترهيب، والإلغاء لأي مظهر من مظاهر الحياة السياسية، وأسس لنظام يرى أن الحزب واحد والقائد واحد، وأي خط يتحرك خارج ما رسم له من قبل السلطة، ستكون المقابر الجماعية مصيره، وهذا ما أدى إلى تغييب الوعي السياسي لدى غالبية العراقيين، المواطن العراقي، وجد نفسه حرا في انتخاب من يريد، ووجد نفسه أمام دستور يحدد مصيره ومستقبله، وعليه أن يختار قبوله أو رفضه. فالانتخاب والتصويت الحر، أمر جديد بالنسبة للعراقيين، خصوصا وأن الدستور من الأهمية، بحيث يتطلب وعيا خاصا لفهم معانيه ومقاصده للتصويت عليه بالإيجاب. ورغم ذلك فإن الشعب العراقي، صوّت في الاستفتاء لصالح الدستور، وتم إقراره بعد الإجراءات التي نص عليها لنفاذه.
وبعد إقرار الدستور، وإجراء العلميات الانتخابية، ظهرت الكثير الثغرات في الدستور، خصوصا تلك التي تنظم عملية الانتخاب، ومنها تحديدا المادة 76 التي حددت الكتلة التي تشكل الحكومة. فمنذ انتخابات عام 2010 وحتى الانتخابات الأخيرة، لابد من أن نشهد أزمة سياسية وقانونية، ترافق الانتخابات، ولا بد أن يتم رفع دعاوى أمام المحكمة الاتحادية لفض النزاع بين الجهات السياسية. ليس المادة 76 وحدها هي التي سببت مشكلة دستورية، كونها لم تنص على عبارة واضحة وصريحة بتحديد الجهة التي ستشكل الحكومة، بل هنالك مواد أخرى، تضمنت عبارات فضفاضة وقابلة للتأويل والتفسير، أو مواد لم تنص على الجزاء الذي يترتب على مخالفتها، خصوصا تلك المتعلقة بالمدد الدستورية لتشكيل الحكومة أو لعقد جلسة مجلس النواب بعد الانتخابات مباشرة، فنجد أن خرق الدستور، هو السمة البارزة التي ترافق الانتخابات. واليوم، وبعد مضيء أكثر من 19 عاما على إقرار الدستور، نجد أنه دستور يعاني من مشكلات كثيرة، ونصوصه تحولت إلى عبء على العملية السياسية، فهي نصوص تمثل مشكلة ولا تمثل الحل، والدليل إن أي تحرك سياسي أو عملية انتخابية أو إجراء سياسي، يحتاج إلى نص دستوري، نجد أن ذلك الإجراء، سيستغرق وقتا طويلا، لأن حتما ستكون هنالك دعوى قضائية أمام المحكمة الاتحادية، لأن المادة المراد تطبيقها، لم تحسم لا المدة الزمنية ولا الإجراء ولا الجزاء، فلا بد من المحكمة الاتحادية لتغطي قصور النص الدستوري.
وصحيح أن الدستور، قابل للتعديل، لكن الإجراءات التي يتطلبها التعديل، تكاد تكون مستحيلة، وغير ممكنة، خصوصا في ظل الوضع الحالي الذي تشهده العملية السياسية. فأي محاولة، لن تجد طريقها للنهاية، لأن الإجراءات المعقدة التي نصت عليها المادة 126 من الدستور، وهي موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب، أي ألا يقل العدد عن 220 نائبا، وهو رقم من الصعوبة جدا توفره في
المجلس.
وإذا افترضنا حصول موافقة من قبل هذا العدد في مجلس النواب، فلا بد كذلك من موافقة الشعب بالاستفتاء العام وبعدها مصادقة رئيس الجمهورية، هذه الإجراءات ناهيك عن القيود الأخرى التي تخص صلاحيات الأقاليم، حيث اشترطت الفقرة رابعا من ذات المادة على موافقة السلطة التشريعية في الإقليم، وموافقة سكانه على تعديل النصوص الدستورية التي تخص صلاحيات ذلك
الإقليم!
الغريب أن الدستور، وضع طريقة أخرى لتعديل الدستور، تختلف عن الأولى، حيث إن المادة 142 نصت على الآلية التي يعلم الجميع، كيف تمت إضافتها للدستور، وهي أن يقوم مجلس النواب بتشكيل لجنة من أعضائه، تكون ممثلة للمكونات، تتولى تقديم تقرير إلى مجلس النواب، يتضمن التعديلات الضرورية التي يمكن إجراؤها على الدستور. أي أن المشرع وضع آلية للتعديل، قبل أن يطبق الدستور، وقبل أن يتم اكتشاف الثغرات التي تتضمنها بعض
المواد.
وهذه الآلية، تكاد تجعل من الدستور جامدا، بسبب استحالة الركون إليها في التعديل، حيث تم وضع شرط ألا يتم رفض التعديلات على الدستور، من قبل ثلثي المصوتين في ثلاث محافظات أو أكثر! بمعنى أنه يمكن لثلثي المصوتين على الدستور، في ثلاث محافظات، التغلب على إرادة ثلثي المصوتين في 15 محافظة!