علي لفتة سعيد
ثقافة العمل تنحصر فقط في عملية وجود راتب شهري، لذا صار الجميع يبحث عن الوظيفة باعتبارها مصدر رزقٍ مريحٍ لا يحتاج إلّا الحضور اليومي في دوائر العمل. لكن السؤال، لماذا انعكس الأمر على القطاع الخاص، وصار العامل العراقي لا يؤدّي عمله أيضا ويبحث عن أيّ مبرّرٍ لكي تنتهي ساعات العمل أو الأصح ساعات تواجده في المكان، السبب لأن تفكيره منصبٌّ على الأجر أكثر من علاقته بالعمل وانجازه
تعاني المؤسّسات الحكومية من ثقافة العمل وإنجازه بصورةٍ تامة، وهو الأمر الذي ينعكس باتجاهٍ غير مقبول على مستويات الإنتاج، وقد انعكس بشكل سلبيّ آخر على القطاع الخاص، الذي يعد أكثر صرامةً من العمل في المؤسّسات الحكومية، حتى صار المقولة، أن الموظّف العراقي لا يعمل إلّا دقائق معدودة من ساعات العمل التي تصل إلى ثماني ساعات. ورغم أن الأمر لا يعمّم على كلّ المؤسّسات الحكومية، لكن نسبةً عاليةً سجّلتها منظمات الاستطلاع الرسمية وشبه الرسمية، أنها تشكل أ:ثر من 70 إلى 75 بالمئة من هذه المؤسّسات، التي بات إنجاز العمل يؤجّل إلى اليوم التالي وإلى أكثر من أسبوع وشهر، وبعدها يتم تأجيل العمل إلى أكثر من سنة من مراجعات روتينية يقوم بها المواطن صاحب الحالة.
إن ثقافة العمل تنحصر فقط في عملية وجود راتب شهري، لذا صار الجميع يبحث عن الوظيفة باعتبارها مصدر رزقٍ مريحٍ لا يحتاج إلّا الحضور اليومي في دوائر العمل. لكن السؤال، لماذا انعكس الأمر على القطاع الخاص، وصار العامل العراقي لا يؤدّي عمله أيضا ويبحث عن أيّ مبرّرٍ لكي تنتهي ساعات العمل أو الأصح ساعات تواجده في المكان، السبب لأن تفكيره منصبٌّ على الأجر أكثر من علاقته بالعمل وانجازه.
ولهذا نرى أن العامل العراقي يشكو منه الجميع في أنجاز المهام الموكلة له، والعامل العراقي الذي يعمل أجيرًا هو ما نعنيه حيث نراه يتكاسل في الإنجاز، حتى باتت قصة صاحب شركة عالمية التي تقول حكايته أنه حسّبَ كلّ شيء على العامل العراقي حتى الوقت الذي يقضيه في الصلاة وشرب الماء وتدخين السكائر، لكنه لم يحسب كم مرّة يذهب بها إلى الحمّامات، وهو دليل على أن العامل يريد قتل الوقت مهما كانت النائح. ولهذا نرى ان أصحاب رؤوس الأموال البسيطة والكبيرة من محال التسوّق والمولات وشركات الصيرفة وباعة الجملة، بل وصل الأمر إلى توظيف عمال في محلّ تسوّقٍ صغير (دكان) للعمال الأجانب ويصل إلى المطاعم والمقاهي وحتى أصحاب المولدات الكهربائية حيث يوظفّون عمّالًا أجانب لأن هذا الأخير يكون متعاونًا، وينجز أعماله ولا يذهب إلى الحمّامات كثيرًا، ولا يطلب إجازاتٍ وقتيةً لمراجعة الأطباء ولا يذهب إلى الفواتح والأعراس، كما هو مشاع بين الناس عن العامل العراقي، وإن مرد هذا هو ثقافة المجتمع اتجاه العمل، سواء منه الوظيفي الحكومي أو القطاع الخاص. خاصة بعد الترهّل في أعداد الموظّفين في الكثير من دوائر الدولة. فضلًا عن سلوك العامل العراقي الذي لا تقبل (رجولته)، أن يكون تحت إمرة شخصٍ قد ينهره إذا لم أنجز العمل المكلّف به.
إن هذا الاعتماد على العمالة الأجنبية، تسبّب بخروج تظاهرات في الكثير من المدن العراقية، وقد وصل الأمر إلى التهجّم على العمّال الأجانب والمطالبة بالعودة إلى دولهم في تهديدٍ صريح. لأن في رأس المتظاهر أنه الأحق في التعيين، وهو أمرٌ صححٌ، لكنه ليس مرنًا في انجاز العم، بل إذا ما تعرّض إلى عقوبةٍ من صاحب العمل، فإن الكثير منهم يلجأ إلى اتخاذ إجراءات غير قانونيةٍ وخارج سياق الدولة، ومنها اللجوء إلى حكم العشيرة، ممّا أدّى إلى خوف أصحاب الأموال من تشغيل عمّال عراقيين،
إننا نحتاج إلى ثقافة عملٍ تبدأ وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني وحتى الشرطة المجتمعية، وكذلك المجالس الدينية التي عليها واجب التثقيف ليس من الناحية الفقهية فحسب، بل من ناحية أهمية إنجاز العمل بالصورة الصحيحة، قبل المطالبة بتعيين العراقيين. لأن الكثير منهم تعرّض إلى الطرد من العمل لعدم كفاءته مما أدّى إلى حصول مشاكل أدّت إلى نتائج كارثية وجرائم القتل والحرق وغيرها.
لذا فإن الدولة مسؤولة عن حماية رؤوس الأموال من هذه الإجراءات غير القانونية، وأيضا مسؤولة عن مفاتحة شركات القطاع الخاص واللقاء بالعمال من أن عليهم انجاز العمل ثم التفكير بالراتب أو الأجر. وهو الأمر الذي يجب أن ينطبق على الموظف العراقي في إنجاز العمل، لأن المنظومة واحدة، والتفكير واحد، الأثر والتأثير واحد، حينها سنجد التوظيف للعراقي هو الذي يكون حاضرًا وجاهزًا.