العسكرة ورهانات الفشل

قضايا عربية ودولية 2024/08/18
...

علي حسن الفواز



يراهن الكيان الصهيوني على فشل المفاوضات، وعلى الضغط الأميركي في منع أي ضربة له من إيران أو من المقاومة، وبهذا فإن خشية "نتن ياهو" من النهاية التراجيدية لمصيره السياسي، تضعه أمام حسابات تجرّ وراءها أسئلة عن الخسائر التي جعلت من حكومته الأكثر كراهية في تاريخ الكيان الصهيوني، وعن مصير الأسرى لدى حماس، فضلا عن الاستنزاف الذي دخلت في جحيمه العسكرة الصهيونية.

كلُّ هذا يجعل الخيارات صعبة، ويدفع بالعنف الصهيوني إلى مزيد من التوحش، وإلى ارتكاب المجازر بحق الشعب الفلسطيني، وتعطيل أي حلّ دولي للقضية الفلسطينية، ولمشروع إنشاء الدولتين الذي رفضه الكنيست الصهيوني مؤخرا، وحتى القبول بمفاوضات مع قيادة حماس الجديدة، رغم أن "يحيى السنوار" يعرف طبيعة الكيان المهزوزة، ويدرك أن فرض الحل الأمني سيكون خيارا أكثر تعقيدا للصهاينة.

وهذا ما يجعل حكومة نتنياهو أمام خيار المناورة، حيث "لفلفة" ملف الحل في غزة، وحيث الذهاب إلى حرب الاغتيالات، وإلى مزيد من العسكرة والحلول الأمنية، وإلى وضع الشروط التعجيزية أمام المفاوضين في الدوحة أو في غيرها، وكأن التورط في الحرب الإقليمية سيكون نوعا من "الإنعاش" الذي سيدفع الولايات المتحدة والغرب إلى الدخول فيها دفاعا عن الكيان الصهيوني.

لم يعد الأمر ظنا، بل أصبح واقعا ما يمارسه الصهاينة من عنف مقصود، توهما بأن ذلك سيرد لهم الاعتبار بعد عملية "طوفان الأقصى" وما أحدثته من خرق "نرجسي" وستراتيجي في نظام المناعة الصهيونية، وعلى نحوٍ يجعل البحث عن سياسة الردع موقفا إيهاميا بالرد على ما جرى، وعلى الخسائر الكبرى التي عانى، وما زال يعاني منها الكيان، ولعل التظاهرات التي شهدها الداخل الصهيوني، وعدد من المدن والجامعات في العالم، دليل على صعوبة الاستمرار بالخيارات الأمنية التي تعمل على تكريسها  الحكومة الصهيونية، وعلى وضع الولايات المتحدة أمام واقع صعب، وكأن نتنياهو يذكّر الرئاسة الأميركية بأن التصفيق الطويل الشعبوي الذي حظي به في الكونغرس يُعطيه تفويضا بخيارات الحرب المفتوحة، والمحمية من الرساميل الأميركية، وبأن إيران التي ذكرها متوترا وخائفا أكثر من 27 مرة، كاشفا من خلالها عن هلعه، وعن أنه غير قادر على تحمّل هذه الحرب وحده، وعدم القبول بوضع جديد في الشرق الأوسط تكون فيه إيران هي اللاعب الإقليمي الكبير، بترسانته العسكرية وباقتصاده الكبير وبعقيدته الفاعلة.