ا. د. عماد مكلف البدران
في الخامس من هذا الشهر، زار سيرغي شويغو الأمين العام لمجلس الأمن الروسي ووزير الدفاع الأسبق طهران، في مهمة مثيرة للجدل تناولتها وسائل الإعلام بقدر كبير من التحليل والآراء والاهتمام، لما لروسيا من ثقل وأثر في الصراع المحتدم بين إيران وإسرائيل، وجاءت زيارة المسؤول الروسي الرفيع بعد اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي في حركة حماس في طهران بتاريخ 31 تموز، لتُأكد إيران أنّ إسرائيل هي التي وقفتْ وراء عملية الاغتيال وتوعّدت بالرد؛ لكونها عدّت هذا الفعل تعدياً على سيادتها، وكسرا لهيبتها وتهديدًا لأمنها القومي، وتجاوز كل الأعراف الدولية وقواعد الاشتباك، ومع تلبّد أجواء المنطقة بتصعيد خطير، وصل سيرغي شويغو طهران؛ ربما كان يحمل رسالة مهمة من الرئيس بوتين إلى القيادة الإيرانية، إلا أنّ ما يهمنا معرفته، هل أنّ هذه الزيارة تأتي في وقت بدأت فيه الاصطفافات الدولية تبدو أكثر وضوحاً من ذي قبل؟ فلكثرة ما وصف الأمريكيون وحلفاؤهم وجود محور شرٍّ قد بدأ يتشكّل قُبالة حلفهم الأطلسي الديمقراطي كما يسمونه، أي المدافع عن الحريات والأنظمة الديمقراطية، وأما المعسكر الآخر الذي ربما يمكن أن تقوده روسيا وربما تتبادل قيادته مع الصين، فقد عدّ التحالف الغربي وبحسب مصطلحاتهم القديمة، إمبرياليا استعماريا توسّعيا لا يراعي مصلحة الشعوب، ويفرض نفسه رغماً عنها، لذلك اقتضى الأمر الاصطفاف لمواجهته من أجل صناعة إرادة أخرى تواجهه وتفرض التوازن الدولي، وتنهي استبداد القطبية الواحدة التي تقودها أمريكا، وهكذا اتضحتْ أبعاد الاصطفاف الجديد بكل تقاطعاته ومحاوره، وما الحرب الروسية في أوكرانيا وتصاعد الصراع الإيراني - الإسرائيلي إلا أحد أهم مصاديقه، ومن الأنسب أن نفهم زيارة شويغو ضمن هذا التمحور، وأنه ربما وصل طهران ليس للتأثير في قرار معين قد اتخذته القيادة الإيرانية متمثلاً بضرب إسرائيل، إنما لدعم الموقف الإيراني الذي كان وما زال مسانداً لروسيا في أوكرانيا الذي قدّم لها الطائرات المسيّرة، وهذا ما أكدته وسائل الإعلام حول وجود دعم إيراني لروسيا، لذلك تعود الوسائل نفسها لتؤكد أنّ روسيا بعد هذه الزيارة قوّت إيران وسلّحتها بأسلحة دفاعية وأخرى تقنية عسكرية إلكترونية لمواجهة التقنية الغربية المتطوّرة، مثل معدات رادارية وأخرى تشويشية، وربما وصل المحلّلون السياسيون والعسكريون لهذا الطرح؛ لكون الزائر عسكريا ويعرف طبيعة الأسلحة الغربية المستعملة في الحرب الحديثة، فضلاً عن أنّ الموقف الروسي اليوم، يأتي ردة فعل على دعم الغرب لأوكرانيا بالأسلحة والطائرات، فقد سمح الرئيس الروسي بوتين في الشهر السادس من هذا العام، بتزويد ما يمكن أن يُطلق عليهم حلفاؤهُ بالأسلحة المتطوّرة مثل الصواريخ بعيدة المدى والدقيقة ووسائل الدفاع الجوي وما يُستفاد منه في الحرب الإلكترونية، وهذا منزلق خطير للغاية، إذ سيُعاد تدجيج العالم بالسلاح كما هو الحال أيام الحرب الباردة، وليس هذا فحسب بل سينقسم العالم من جديد إلى قسمين أيديولوجيين، أحدهما مهاجم توسعي عدواني، كما يحلو للآخر وصفه، وآخر مقاوم كما يريد الآخر نفسه وصف نفسه، وهكذا تظهر لنا محاور تهدد السلم العالمي واصطفافات خطيرة أقل ما يمكن أن نفهمه منها، هو الصراع الإعلامي الخطير والاشتباك السياسي الذي سيتسبب بظهور حركات متطرّفة تغذيها سياسة المحاور، مثل الكومنترون الشيوعي وتنظيم القاعدة.