سعد العبيدي
تركيا الجارة الشمالية للعراق، دولة قوية لها مع العراق تاريخ مشترك وروابط دين ومياه وتجارة لا يمكن تجاهلها، ولها في العراق والمنطقة مصالح مثلما للعراق وباقي دول الجوار مصالح في محيطها وعموم المنطقة التي يتواجدون فيها معاً، يمكن أن تتقاطع أحياناً لتنج قدراً من الشد والتوتر تبعاً لشدة التقاطع، وتتوافق أحياناً أخرى لتصب في صالح الأمن والاستقرار والرفاه.
إن موضوع المصالح بين البلدين ومسائل المياه والمكون الكردي، الذي يتوزع بين الدولتين والتركمان والجوار الإيراني المشترك والانتماء الطائفي الاسلامي الممتد إلى داخل الدولتين، أي تركيا وإيران جعل العلاقة مع تركيا وكذلك مع إيران حساسة، تحسب خطوات بنائها واستمرارها بدقة متناهية، أدرك الساسة العراقيون في الزمن الملكي على وجه الخصوص هذه الحساسية، وأقاموا علاقات متوازنة مع تركيا تقترب من تلك العلاقة التي أقاموها مع إيران، وتجنبوا كثيراً من مثيرات التوتر والصراع، أخطأ صدام حسين في فهم الحساسية واقترب من تركيا على حساب إيران التي حاربها، فمهد لاضطراب ما زالت آثاره قائمة، وأخطأ الساسة العراقيون ما بعد ٢٠٠٣، عند ابتعادهم عن تركيا واقترابهم من ايران فأخلوا بهذه الحساسية، الأمر الذي تسبب في استمرار الاضطراب. ومع ذلك، يبدو أن الحكومة الحالية أدركت هذه الحساسية وتقدمت خطوات إلى الأمام في مجال إعادة ضبط العلاقة مع تركيا وتصحيح مسارها، أثمرت أخيراً عن تحقيق تفاهمات مهمة معها، خاصة في مجال الأمن والتعامل مع حزب العمال الكردستاني التركي، الذي يهدد الأمن التركي منطلقاً من الأراضي العراقية، وهو المجال الذي يُعتبر من أكثر المجالات تعقيداً وأهمية في العلاقات الثنائية بين البلدين.
إن هذه التفاهمات التي تعكس رغبة واضحة لدى الحكومة العراقية في بناء شراكة مستدامة، تقوم على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل هي في الاتجاه الصحيح لأنها ستسهم في تعزيز الامن والاستقرار في كلا البلدين الجارين، وفي المنطقة وتدعم أهداف العراق في تحقيق التنمية والاستقرار الداخليين.