عندما تكون الكتب في جيوبنا وحقائبنا

منصة 2024/08/26
...

  عمار حميد مهدي

هل كان تراجع قراءة الكتب نتيجة انتشار الأجهزة اللوحيّة والهواتف النقّالة أم في صعوبة اصطحاب أو حمل الكتب؟  
في الماضي ولتشجيع نشر الكتب والإقبال على قراءتها كانت تنتشر ما تسمى بـ «روايات أو كتب الجيب» والصريح من هذه التسمية أن الكتب كانت تصمم وتُخرَج على شكل يناسب حجم جيوبنا أو حقائبنا، تلك الأمكنة الأقرب إلى أيادينا والتي نضع فيها أهم ما نملك ساعة تجوالنا، فالغاية المرجوة من ذلك كانت اصطحابها وحملها أينما حللنا أو جلسنا في مقهى ما، أو حديقة عامة، حيث تكون قابعة هناك بجانب القلم «أيضا عندما كان للقلم مكانه في الجيوب والحقائب واعتباره جزءا من الاناقة والتنافس على الاقتناء، وقبل أن تكون أناملنا مدرّبة على ضغط الأزرار أكثر مما هي مدرّبة على الامساك بالقلم والكتابة به!».
كل ذلك في زمن كانت فيه القراءة وسيلة الترفيه المتداولة في كل العالم قبل اقتحام الهاتف الذكي للساحة، في الوقت المعاصر مازالت طباعة كتب الجيب وقراءتها متداولة ومحافظة على مكانتها في المجتمعات المواظبة على القراءة الورقية، مثل دول أوروبا والشرق الأقصى، لأن ايقاع الحياة المتسارع والمستمر فيها اوجد ظرفا خاصا لا يسمح بالبقاء لفترة طويلة في مكان واحد، حيث تُنتهز الفرصة لقراءة بضعة أسطر عند ركوب المترو أو الجلوس بعض الوقت في المقاهي، لكنها في دولنا تراجعت نتيجة ندرة طباعة هذا النوع من الكتب وبطء ايقاع الحياة فيها بالرغم من ضياع ساعات طويلة بالجلوس في المقاهي.
إذاً، فالاقبال على قراءة كتب الجيب هو نتيجة ايقاع الحياة السريع، ذاك الايقاع الذي يصنعه تطور وسائل النقل وزيادة ساعات العمل، ولكن في منطقتنا الشرق أوسطية باتت الأجهزة النقّالة تحتل اهتمامنا أكثر وهي في الجيوب، لما لها من خصائص مُلِحّة ومغرية في آن واحد تجذبنا إليها دوناً عن القراءة خلال ساعاتنا المحترقة في المقاهي، رغم أن ذلك لا يمنع من أن تعود الرغبة في قراءة الكتب وشدّ الانتباه إليها عن طريق اغراء تصغير حجمها ليكون مقاربا لحجم تلك الأجهزة. ولعله في يوم ما عند تحقيق مشروع «مترو بغداد» الغائب الحاضر سيشجع العراقيين على قراءة كتب الجيب بعد ركوب هذا المترو الذي ربما سيخلق الأجواء المناسبة لذلك.