بغداد : نوارة محمد
يتفق الجميع على أن اتساع رقعة النساء في الميدان العملي خطوة تبشر بخير، وهي تكتسب أهميتها بأنها فرصة جديدة لتكوين الذات وتحقيق الأحلام، فمتطلبات العيش ضاغطة على اللواتي يأملن بحياة جيدة، لكن سرعان ما تحولت بعض المهن إلى انتهاك للمعايير الاجتماعيّة والإنسانيّة، عّبر كثيرون عن استيائهم. وظاهرة امتهان الفتيات عرض الأزياء في المحال التجارية انموذجاً. ترى ابتسام عمار أن هذه المهنة “مُذلة” وأن ما يجري يعد تعدياً على كرامة المرأة، وأن كان خيارها، فكيف انها تستعرض جسدها في عرض الأزياء مقابل أجور زهيدة، كيف تُسحق المعايير الاخلاقيّة والمبادئ والأعراف الاجتماعية أمام الحصول على وظيفة؟
وتعتقد عمار وهي باحثة اجتماعية بأن هذا التغير والانفتاح الكبيرين في عراق ما بعد 2003 هو أمر إيجابي كنا نسعى للوصول اليه، لكن ليست هذه الحرية التي طالبنا بها وكرسنا جهودا جبارة لتحقيقها، وليست هذه الصورة التي تمثل المرأة العراقية. أما انسام محمد مصطفى فتوضح أن “الفئات الحداثية التي لديها أفكار طوباوية تلغي القيم وتتحدى الواقع، وهي تعترف بالحريات الاجتماعية والشخصية رغم الرفض الذي تواجهه، ورغم التنمر الذي تتعرض له هذه الشخصيات على منصات التواصل الاجتماعي، وفي ظل ما هو سائد من تابوهات دينية، وأخرى أخلاقية تفرض هذه الفئات أفكارها التحررية وتعيش بالطريقة التي تجدها مناسبة”.
الأمر لم يقف عند عرض الأزياء ومزاولة مهنة الـ( Model) بل إن معظم عارضات الأزياء يعملن على نشر صورهن وهن مرتديات مختلف الأزياء على صفحاتهن في منصات التواصل الاجتماعي وصفحات المحال التجارية التي يعملن لصالحها، هذا الأمر أكسبهن شهرة واسعة، وحقق لهن ظهورا عبر القنوات الفضائية، حتى أن بعضهن شارك في التمثيل بأدوار في مسلسلات تلفزيونية حققت مشاهدات عالية. تقول ماريا فارس: بدأت كعارضة أزياء في احد فروع “مول الكوخ”، وبعد مرور سنتين على عملي في الترويج وحث الفتيات بطريقة سلسة على شراء القطع التي ارتديها، اكتسبت شُهرة في وقت قياسي، وبدأت شعبيتي تتسع من خلال ما أقدمهُ، ومن هنا صار اسمي مطلوباً في الإعلانات الترويجية، وصار يتابعني نصف مليون مشاهد على صفحاتي في “فيس بوك وانستغرام”، الأمر الذي جعل من منتجي التلفزيون يطلبونني في تأدية إدوار تمثيلية ومشاهد بسيطة في المسلسلات، كان أولها مسلسل خان الذهب. وتوضح سارة أوس التي بدأت رحلتها مع عرض الأزياء في وقت مبكر من حياتها: لا أدري لماذا تتعرض الفتيات اللواتي يعملن في مجال الأزياء لهذا الكم الهائل من التنمر؟ فأنا اكتسبت شهرتي وبدأت رحلتي كعارضة أزياء في إحد المحال التجارية الخاصة بالأزياء، تعرفت من خلال هذه التجربة على جمهوري وأصبحت من ذلك الحين قادرة على مواجهة “الكاميرا” وعرفني صُناع السينما والتلفزيون عبر هذه المهنة، وها أنا أعمل في الإعلانات التجارية والترويج، وممثلة لكنني في الأساس عارضة أزياء وهذا لم يؤثر عليّ شخصيا او اسمي. ثمة مِهن أخرى تعد الشكل والماكياج وارتداء الملابس الملفتة اساسيات العمل، فاستغلال الفتيات لم يتوقف عند عرض الأزياء، بل الترويج في المحال التجارية أمر يزعج كثيرين. وتعتبر هيا سالم تجربتها في الترويج للعطور في “المولات” قاسية بالنسبة لفتاة جميلة وسافرة في مجتمع محافظ، وبمثابة تحد للعادات والتقاليد التي عايشتها، إذ تتعرض للتحرش الجنسي وسوء المعاملة.ولا خيار آخر لديها لطالما لم تحصل على وظيفة حكومية، ولم تحظ بفرصة عمل اخرى تليق بشهادتها الجامعية، وهي عدا هذا وذاك تمر بظروف صعبة، انتهى بها الحال كمعظم الفتيات، ساعات طويلة مقابل راتب شهري لا تتجاوز قيمته 400 ألف دينار (340 دولارا). وتعود للقول إن “البعض ينظر لنا ممن نعمل في (بوث) العطور كما لو اننا متاحات للتحرش اللفظي”، مضيفة “وما يعزز هذه النظرة هيأتنا وهي ليست باختيارنا، إذ يُفرض علينا وضع الماكياج وارتداء نوع من الملابس وكأننا عارضات
أزياء.