مصالحة وطنية
لا نأتي بجديد، حينما نقر بأن الذات العراقية تاريخيا مأزومة بالصراعات المستديمة، لا سيما في عصرها الحديث، حتى غدت مركز التقاطع الستراتيجي، الذي تمحورت حولها الصراعات السياسية والاقتصادية، والإقليمية منها والدولية لماذا؟، لان الإنسان العراقي كان ومازال مستهدفا من قبل الطامعين في خيراته، سواء كانت المادية أو المعنوية.
لذا حاول هؤلاء الأعداء في تربص داخلي أو خارجي، إقليمي أو دولي من اجل إضعاف النفسية العراقية، وجعلها مشلولة الإرادة الوطنية، ومحاولة فك البنية الاجتماعية وهذه حقيقة تاريخية ثابتة، ولما نقول في المعالجات، فان أول هذه المعالجات الآن ونحن امتلكنا مفردات الإرادة الوطنية، بعد سقوط صنم الدكتاتورية، وظهور دستور متفق عليه، هي الاهتمام النخبوي والمجتمعي بأهمية النهوض النوعي لاجتثاث مناشيء وجذور الصراعات بدالتها التاريخية، التي ذكرناها سلفا، كي نصل لواقع مثالي تسوده عوامل التعاون والوئام والوحدة، وعندما ندرك الأسباب والمعالجات، نكون قد جعلنا أمامنا صورة الدولة المتماسكة وخلق المجتمع الموحد..
ونحن إذ نذعن لطبيعة المجتمع العراقي الشرق أوسطي والفريد في تكوينه البنيوي، فهو مجتمع متعدد القوميات والأعراق والأديان والمذاهب والنحل، ويحمل بين طياته أرثا حضاريا، وثقافات عديدة تمتد لآلاف السنين ما قبل التاريخ ، أي أن الحضارة العراقية تعد من الحضارات الأصلية، وهي مرجع حضارات العالم وداخل هذا المجتمع وطوال هذا الزمن تناغم التآلف والتكامل الوطني والإنساني، بحيث صار مستوعبا هذا التباين في رسم مسارات أخلاقية ذات نفع عام، ونعود للمعالجة الثانية وتتمثل في الدستور والحكومة الوطنية المنتخبة وفق هذا الدستور، فلابد ان تكون تحت ظل هذه الظروف غير الطبيعية في تكاتف مع الشعب، كي تكون سدا منيعا لكل أشكال التدخلات الخارجية في الشأن العراقي، وان تكون ولاءات الأحزاب والقوى السياسية الفاعلة في الساحة محصورة بالدالة الوطنية ، بحيث يكون الضابط لها هي التشريعات وأنظمة الدولة وفق الدستور، الذي اقر بالعراق المتنوع الفسيفسائي..إذن التساؤل هو كيف تتحقق الوحدة
الوطنية ؟
والحقيقة التاريخية والآنية تقول يتم تحقيقها بتوجه النخب الثقافية والمجتمعية إلى التجرد من الماضي الكريه والقيام بصيغ التنسيق الميداني، لخلق أجواء التعايش السلمي والأخوي بين أبناء الوطن الواحد، وبهذا الإطار أي إطار التنوع القومي والديني والطائفي والثقافي الاثني، وذلك لان ضعف الوعي للذات الوطنية، وبروز حالات الظلم الاجتماعي المتبادل وتفشي أنماط الطبقية وانعدام الشفافية، وقلة الوعي بالصالح العام، يقود لا محالة الى الصراعات المؤدية لتمزيق الوحدة الوطنية والمجتمعية..ومن خلال قراءة الساحة السياسية في ظل التغيير الديمقراطي الحادث في البلاد يتبين لنا نوعان من الصراعات هما :صراع ايجابي خلقته أنظمة الحكم الديمقراطية بدالة التنافس الانتخابي، والثاني صراع سلبي وهو صراع قاتل لامحالة، وحينما نعمد إلى زيادة كفة الصراع الايجابي، لابد لنا من الاعتماد على مساند مهمة هي: الأول القيام ببناء دولة مدنية دستورية ديمقراطية عادلة تضمن استحقاقات المواطنة في حقلي الحقوق والواجبات.. الثاني: وهو القيام ببرامج التنمية بمعناها الإنساني والمادي ويشمل الأخلاقي والمجتمعي والسياسي والاقتصادي والثقافي والعلمي
والصحي.