علي صقر
دأب الإنسان في كلِّ وقت وزمان على الإتيان بفنّ يصف الأهوال التي تحيق به. فمن مسرحيَّة «أوديب ملكاً» التي كتبها «سوفوكليس» بين عامي 430 و426 قبل الميلاد، تحوي اثنين من أعظم الأهوال: قتل الأب، وسفاح القربى، الذي أثار غضب الآلهة التي أرسلت «الطاعون» إلى مدينة «طيبة»، إلى قصص «ديكاميرون» لـ»جيوفاني بوكاتشيو» 1353 الكاتب الإيطالي الذي كتب سلسلة قصص تبلغ مئة قصة، عبر حلقات متسلسلة تدور حول الإغواء ونساء شهيرات بعد «طاعون 1348».
وفي العصر الحديث نجد «الطاعون القرمزي» لجاك لندن 1912، وهي قصة مستقبلية لما بعد نهاية العالم، عندما يتبقى رجل واحد فقط بصحبة مُهر وكلبين، بعد طاعون قضى على جميع من حوله، إضافة إلى عدد قليل من البشر يحاولون إنشاء مجتمعهم الخاص، دون ماضٍ ولا ذكريات. وبهذا المجال يرى الدكتور مليكة المصري المقيم في أميركا رواية «الطاعون» لألبير كامو 1947، وهي سجل للحياة اليومية في «وهران»، المدينة الجزائرية... بينما يتفشى وباء الطاعون فيها. أكيد العلاقة بين ووهان الصينية ووهران الجزائرية. هنا بمصر تذكرنا بـ»حرافيش» نجيب محفوظ التي كتبها عام 1977 والتي يقول فيها في الفصل 31 من حكاية عاشور الناجي: «تفاقم الأمر واستفحل. دبّت في ممر القرافة حياة جديدة.. يسير فيه النعش وراء النعش. يكتظ بالمشيعين. وأحيانًا تتابع النعوش كالطابور. في كل بيت نواح. بين ساعة وأخرى يعلن عن ميت جديد.
لا يفرق هذا الموت الكاسح بين غني وفقير، قوي وضعيف، امرأة ورجل، عجوز وطفل، إنه يطارد الخلق بهراوة الفناء. وترامت أخبار مماثلة من الحارات المجاورة فاستحكم الحصار. ولهجت أصوات معوجة بالأوراد والأدعية والاستغاثة بأولياء الله الصالحين.» ثم لا يمكن أن تفوتنا رواية «البلاء» لستيفن كينج 1978 إذ يتخيل «كينج» انتشار مرض الطاعون نتيجة تسربه من مختبر للجيش الأميركي، بنسبة إصابة تقارب 100 %، يتبقى عدد قليل من الأفراد على قيد الحياة، يسعون للانضمام إلى الأم «أبيغيل»، وهي امرأة سوداء تبلغ من العمر 108 سنوات، ويعتمدون عليها في خلاصهم.
وأخيرًا «الحب في زمن الكوليرا» لجابرييل جارثيا ماركيز 1985 إذ تقع أحداثها في نهاية القرن التاسع عشر، في بلدة كاريبية صغيرة، حيث يقع عامل تلغراف شاب في غرام تلميذة جميلة، ويقسمان على الزواج والحب الأبدي، لكن كما في العادة، تزوجت «فيرمينا» من طبيب شاب يعمل على مكافحة وباء الكوليرا، فيتحول «فلورنتينو» إلى عاشق أزلي، مكافحًا لأن يصنع لنفسه اسمًا وثروة، متمسكًا بحبه في الخفاء، ينمو عشق «فلورنتينو» بداخله باهتزازات تشبه اهتزازات المرض، فيغزو الحب جسده كالجرثومة، يفشل في استخراجها من جسمه، فتصير الكوليرا رمزاً لمشاعر الحب التي تجتاح روحًا مضطربة لشاب عاشق.