{أولوية} المجتمع الدولي التي لا يهتم بها الناخب الأميركي

آراء 2024/09/29
...

 محمد علي الحيدري

          

في غالب الأحيان لا تأخذ السياسة الخارجية وتفصيلاتها حيزاً مهماً من اهتمامات الناخب الأميركي، ففي انتخابات عام 2020 التي ربحها الديمقراطي جو بايدن على حساب الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب أظهرت استطلاعات الرأي في حينها أن نسبة اهتمام الناخبين الأميركيين بملف السياسة الخارجية لحكومتهم لا تتجاوز الخمسة في المائة من اهتماماتهم الأخرى.

وفي عشية  الانتخابات الرئاسية المقبلة في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، لا تزال هذه النسبة تراوح مكانها مع حصول تقدم طفيف في هذا الاهتمام فرضته: 

حرب إسرائيل في غزة وزيادة كلفها المالية وتداعياتها الأمنية والإنسانية على الشرق الأوسط والمصالح الأميركية

والحرب الروسية ـ الأوكرانية بسبب ارتفاع حجم المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا التي عادة ما يدفع ثمنها دافع الضرائب الأميركي.

ولا تزال مراكز البحوث والدراسات الأميركية التي تتابع بدقة تفصيلات الحملات الانتخابية وحرب التصريحات، تعطي الشأن الداخلي ممثًّلاً بالملف الاقتصادي بما فيه من قضايا التضخم وارتفاع الأسعار فضلاً عن الضرائب وكساد التجارة ، تعطيها أولوية وأفضلية لدى اهتمام وفضول الناخب الأميركي على حساب الشأن الخارجي.

القضية الأخرى التي يوليها الناخبون الأميركيون اهتماماً كبيراً هي حركة المهاجرين الذين يعبرون الحدود الأميركية بشكل غير قانوني من دول مجاورة بحثاً عما يعرف بـ «الحلم الأميركي»، وهؤلاء المسحوقون غالباً ما يتهمهم المرشح الجمهوري الملياردير دونالد ترامب بالمسؤولية عن مزاحمة الأميركيين على فرص العمل ورفع نسبة البطالة بين سكان الولايات التي تتعرض لموجات الهجرة هـذه، بل وصل به الحال إلى أن اتهم خلال مناظرته الوحيدة - حتى الآن -  بعض المهاجرين بارتكاب الجرائم المختلفة وخرق القانون و»أكل» القطط والكلاب المنزلية وهو ما نفته السلطات المحلية في تلك الولايات.

كما تحل قضية حق المرأة في الإجهاض كموضوع خلافي آخر بين اليمين الجمهوري المحافظ الذي يؤيد ترامب واليسار الديمقراطي الذي يؤيد كامالا هاريس وهو موضوع أخذ حيزاً مهماً ليس في المناظرة الرئاسية الوحيدة بين المرشحين وحسب بل كان عنوانا لمعظم الحملات الانتخابية التي نظمها المرشحان في الولايات الأميركية.

في مقابل هذه القضايا «المحلية» التي تتصدر اهتمامات المواطن في الداخل يراقب المجتمع الدولي بكل مراكزه وأطرافه وعن كثب نقاط التلاقي والاختلاف بين برنامجي هاريس وترامب الخاص بملف السياسة الخارجية وخاصة لجهة العلاقات الأميركية الأوروبية ، فالأوربيون مثلاً لم ينسوا بعد المذاق «المر» لسياسة ترامب الخارجية في عهده الأول التي حملت عنوان «اميركا أولاً» سواءً في الاهتمام أو الانفاق ، كما أنهم يتذكرون مواقفه من حلف شمال الأطلسي «الناتو» والشروط السياسية والمالية القاسية التي وضعتها إدارته مقابل دعم الحلف حيث أجبر الأوربيين على دفع حصص مالية «عادلة» مقارنة بالحصة الأميركية ، وهي مواقف لا يزال يتبناها ويفتخر بها، فيما ترى منافسته هاريس ومعظم رموز الفريق الديمقراطي الذي شكل إدارة الرئيس الحالي جو بايدن أن هذه السياسة تسببت في انكماش الدور الأميركي دولياً في مقابل اندفاعةٍ واضحةٍ وتمددٍ ملموس لدور خصوم واشنطن في موسكو وبكين ما عرّض ما يسمونها «قيادة» الولايات المتحدة للعالم إلى الاهتزاز.

وفيما بدأ التصويت المبكر في عدد من الولايات الأميركية ، تشير استطلاعات الرأي إلى أن ترجيحات الفوز في الانتخابات المقبلة تمنح كلاً من هاريس وترامب فرصاً تكاد تكون متساوية مع مراعاة هامش الخطأ . ومع أن هاريس، التي يتهمها ترامب في خطابه الانتخابي بـ»يسارية مفرطة» تتقدم بعض الشيء في التصويت الوطني العام، إلا أنها تعاني من مشكلات مضنية في ترجيحات الولايات المتأرجحة التي طالما كانت نتائجها عاملاً حاسماً في تسمية الرئيس الجديد ، وهي ذات المشكلة التي تشغل بال خصمها الجمهوري.