نرمين المفتي
اجتاح مواقع التواصل الاجتماعي في المنطقة العربية، بأكملها خطاب طائفي مقيت مع الإعلان عن الخسارة التي لا يمكن تعويضها في استشهاد السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله. كان من بين أصحاب هذا الخطاب صحفيون وكتاب وسياسيون ورجال دين وأسماء حركية أو وهمية وأسماء اعتيادية، لم يتوقفوا ولو للحظة ليتساءلوا عن وقاحة نتانياهو التي فاقت كل الخطوط الحمراء لدرجة نُفذت بها العملية القذرة التي أُطلق عليها اسم (النظام الجديد)
وهو يلقي كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة صورتين لخرائط تضم دولا عربية وإسلامية صنفها بين "مباركة" وكانت باللون الاخضر و"ملعونة" وكانت باللون الأسود. بدل أن يناقش الطائفيون إلى أين ستؤدي عملية (النظام الجديد) وماذا يعني نتانياهو الذي يصر على استمرار توحشه وقواته بتصنيفه للدول العربية والإسلامية؟ فهم، اقصد الطائفيين، يجدون أنفسهم (منتصرين) بهذا النفس الطائفي المقيت.. وربما لن أكون على خطأ ان قلت بأن الأسماء الوهمية التي أمعنت بالخطاب الطائفي مستخدمة كلمات وصفات لا يستخدمها حتى أبناء الشوارع، كانت صهيونية وبتوجيه من الموساد، لإدامة هذا الانقسام الطائفي، الذي يزيد ضعف الدول العربية والإسلامية الضعيفة أساسا وفشلت في اتخاذ موقف يضغط نحو إنهاء حرب الإبادة التي بدأت ضد غزة منذ سنة ولا تزال مستمرة.
اذكر اننا درسنا في المرحلة المتوسطة عن سياسة (فرق تسد) التي استخدمتها القوى الاستعمارية والتوسعية كسلاح تدميري للسيطرة على الشعوب والدول، خاصة في المناطق التي تشهد تنوعات دينية أو طائفية وعرقية، مثل العالمين الإسلامي والعربي. ولان الكيان صنيعة تلك القوى، عرف كيف يغذي هذا الانقسام الطائفي ويستغله لمصلحته. وفي مراجعة لسياسة الكيان منذ تأسيسه في 1948 سنجد أنها كانت تواجه تحديات رفض وجوده في المنطقة العربية من خلال سياسة استغلال التناقضات والخلافات الداخلية للدول العربية والإسلامية. ونجح وإن إلى حين في ضمان وجوده وتقليل الضغط العربي والإسلامي عليها. وأدرك أن تصاعد التوترات بين السنة والشيعة وانشغال العالمين العربي والإسلامي بصراعاته الطائفية سيقلل من التركيز على القضية الفلسطينية، ويتيح لها مساحة أكبر لتعزيز مصالحها الإقليمية. بدأ الكيان، وبدعم أمريكي علني، خاصة في رئاسة ترامب الذي نقل مقر سفارة الولايات المتحدة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، يتدخل وبقوة في هذا الصراع الطائفي الإقليمي، الذي يستهدف السيطرة على العالم الإسلامي. فقد رأي الكيان ومرة أخرى بدعم أمريكي في هذا الصراع فرصة لبناء علاقات مع بعض الأنظمة العربية خاصة تلك التي جعلها الكيان وداعموه أن تشعر بتهديد طائفي واصبح انتهاجه لسياسة (فرق تسد) جليا مع توقيع "اتفاقيات التطبيع" بينه وبين عدد من الدول العربية، "اتفاقات" تم تسويقها على أنها
خطوة لتعزيز "السلام"، إلا أنها في الواقع تعكس تحالفًا استراتيجيًا بين إسرائيل وهذه الأنظمة لمواجهة الطرف الآخر في الصراع في المنطقة. إن الخطاب الطائفي الذي اجتاح مواقع التواصل الاجتماعي ووصل إلى البرامج الحوارية على الفضائيات وقنوات البودكاست، لم يدع فرصة للطائفيين وأنظمتهم إلى الاستماع جيدا لتصريح نتانياهو بأن ذراع كيانه "الطويلة تستطيع من الوصول إلى إيران والشرق الأوسط"، وليضيف بعده بيومين فقط بتهديده وبسويعات قبل البدء بعمليات توغله البرية في جنوب لبنان والتي أطلق عليها اسم "سهم الشمال" لا مكان على وجه الأرض لا نستطيع الوصول إليها".
إن الكيان مستمر في تغذية هذا الصراع الطائفي الذي تسبب بدوره في وضع إقليمي ضعيف ومتدهور لا يتمكن من مواجهته ويمنحه فرصة لتوسيع نفوذه وتعزيز سيطرته على الأرض، بما في ذلك استمرار توحشه وحرب الإبادة في غزة واختراقه لجميع القوانين والاتفاقات الدولية من خلال أو بناء المزيد من المستوطنات وتوسيع نفوذه السياسي في المنطقة.
إذًا فان الطائفيين يسهمون وإن بدون قصد في توحش النازيين الجدد والذين بدؤوا بوضوح يكشفون سياسة مدروسة لاستغلال الانقسامات الطائفية في العالمين الإسلامي والعربي.. هل سينتبه الطائفيون إلى سياسة (فرق تسد) الصهيونبة، ويقررون أن يكونوا يدا واحدة؟ سؤال لا نعرف متى ستتم الإجابة عليه.