سناء الوادي
في مساعيه الحثيثة للتوصل إلى وقف إطلاق النار من الجانب الإسرائيلي على جنوب لبنان، وموافقته على مبادرة أمريكية عُرضت على الحكومة اللبنانية قبل أسبوعين، قُوبلَ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بخطة أمريكية تتناسب مع تطورات الأحداث وتشترط انتخاب رئيس للبلاد لملء الشغور الرئاسي في العامين الماضيين بعد الجنرال ميشيل عون، معللةً ذلك بضرورة تقوية الموقف السياسي في التفاوض بحضور هيكل شرعي هرمي يبدأ من رئيس الجمهورية وحكومة فعلية وفاعلة تمتلك
زمام أمر البلاد.
ووفقاً لموقع أكسيوس الاستخباراتي فإن البيت الأبيض يرى في الوضع الحالي فرصة لكسر الجمود في ما يتعلق بانتخاب رئيس للبنان، بيدَ أن بايدن وفي مقالة له في صحيفة " بوليتيكو " أشار إلى أن بلاده تدعم العمليات الإسرائيلية في لبنان سرّاً وتنتقدها في العلن، وبالعودة لكلام رئيس حكومة الاحتلال المتطرف نتنياهو والذي نقلته شبكة إن بي سي تحت عنوان، إمَّا التدمير كغزة أو حرب أهلية وفي ذلك تحذيرٌ واضحٌ وصريح للبنانيين بالاختيار بين الوقوف خلف حزب الله، وبذلك سيكون المصير الدمار والتهجير، كما حدث في غزة أو إشعال الفتنة بين جميع الفرقاء السياسيين بالوقوف الأمريكي خلف طرف ودعمه على طرف آخر.
وفي هذا يتفق الكثير من المحللين السياسيين بإطلاق صرخات تحذيرية من الوقوع في هذا الفخ الصهيوني فالسيناريو الذي يتجهز للمنطقة ككل في قمة القذارة ولا يصب في نهايته إلا في المصلحة الإسرائيلية، وها نحن نشهد بوادر البداية في رد حزب الله على هذه الخطة، فهو إن وافق على تولي السيد نجيب ميقاتي التفاوض بشأن وقف إطلاق النار، لكنه رفض الخوض في انتخاب رئيس للبلاد في هذه المرحلة الحساسة.
وهو ما يأتي على عكس شراع الرياح الأمريكية باستغلال حالة الإنهاك التي تعرض لها الحزب، حيث إنَّه الآن أضعف ما يكون ـ حسب رؤيتهم ـ وقد تتعمق بتأجيج العداء لحزب الله في الداخل اللبناني إذا ما استهدفت الصواريخ الإسرائيلية مفاصل الحياة الأساسية في لبنان كميناء بيروت ومطاره الرئيس، وفي ذلك عزلٌ للبنان وخنقه تماماً، وهذا ما أفصحت عنه صحيفة وول ستريت جورنال في مقال يتخوف من ضرب البنى التحتية اللبنانية في حال تصاعدت الحرب.
وفي السياق ذاته فإن خطة العم سام باختيار رئيس للبلاد واستقرار الحالة السياسية قبل الدخول في مفاوضات وقف إطلاق النار والعمل على تطبيق القرار 1701 المتفق عليه بين الجانبين لضبط الحدود لا تندرج إلا تحت سلسلة مخططات تستهدف بناء الشرق الأوسط تحت رعاية أمريكية إسرائيلية وبعيد تماماً عن اليد الإيرانية وحلفاءها، ومن المؤكد أن هذا السيناريو الذي تم تنفيذه بالفعل عام 1982م في لبنان لن ينجح الآن، ففي تلك الفترة لم يكن حزب الله حاضراً في المشهد بهذه القوة، بل كان من مفرزات الحرب الأهلية، فإذا ما كانت الغاية اقتلاع حزب الله اليوم فليكن بالحسبان التجذر الذي يتمتع به والقوة اللوجستية والعسكرية، التي يملكها وبوصفه درة التاج الإيراني في المنطقة فذلك سيدفع الأخيرة للدفاع عن كيانه، بكل شراسة وقد تتدخل جبهات المقاومة في المنطقة في العراق
وسوريا واليمن.
كل ما سبق ذكره يعتبر البؤرة التي ستنطلق منها حرب داخلية لبنانية إذا ما تجنبت الأطياف السياسية بكل حنكة هذه المرحلة الحاسمة في تاريخ لبنان.
كاتبة وإعلامية سورية