مع أنه لم يحصل اتفاق بين علماء النفس على تعريف (الشعور بالذنب) لتداخله مع مفاهيم سايكولوجيَّة أخرى كالخزي والندم والحرج، فإننا يمكننا تعريفه بأنه (حالة انفعاليَّة تتضمن مشاعر مؤلمة، نابعة من الضمير الأخلاقي للفرد، نتيجة لارتكابه فعلا أو حدثاً أو خطأ قانونياً يأسف عليه أسفاً عميقاً، فضلا عن كونه شعوراً مؤلماً بالاثم يرتبط بالخوف من جرح مشاعر الآخرين).
ليس هذا فقط، بل أنَّ الشعور بالذنب قد ينتج أيضاً عن اعتقاد الفرد بأنَّه قد ارتكب الخطأ على الرغم من أنه لم يفعل ذلك، أو شعوره الدائم بالقلق والخزي نحو ضررٍ قد تسبب فيه للآخرين. ويحصل أيضاً حين يبالغ في تقدير موقفه نحو أمرٍ ما، معتقدًا أنَّ أخطاءه البسيطة كان لها أثرٌ أكثر خطورة مما هو عليه في الواقع.
الناس.. ثلاثة أصناف
يتوزع الناس بين ثلاثة أصناف في مواقفهم من الشعور بالذنب:
الأول: هو الذي يكفّر عن شعوره بالذنب لخطأ أو إساءة ارتكبها، إما بالاعتذار أو التعويض، فيريح نفسه ولم يعد يشعر بالذنب.
الثاني: هو الذي لا يشعر بالذنب مهما ارتكب من عملٍ أو ضررٍ أو إساءة بحق آخرين، فنصفه بأنَّ (ضميره ميت).
الثالث: هو الذي يتحول
لديهم الشعور بالذنب الى حالة نفسيَّة مرضيَّة،
تؤدي عند البعض الى إحساسٍ بوخز في القلب، وتوعك بالمعدة، وارتعاش اليدين، وتعرق شديد، وتؤدي بآخرين الى جلد الذات.
وعن هذا الصنف نتحدث:
هل الطفولة.. سبب؟
الشعور بالذنب جزءٌ رئيسٌ من التكوين النفسي للطفل بعمر ثلاث الى خمس سنوات، وأحد أهم مصادره هي طريقة التربية التي يتبعها الوالدان معه، وبقدر ما يتحصل عليه الطفل من حبٍ وحنانٍ ورعاية وتفهمٍ وتقبلٍ، بقدر ما يستطيع ترويضه حين ينتابه، بينما الطفل الذي يتعامل معه والداه بالقسوة والعنف والقهر والتشديد على مفاهيم العيب والحرام، فإنَّ ضميره الأخلاقي سيكون صارماً يحاسبه على كل صغيرة وكبيرة، ومن هنا ينشأ لديه الشعور بالذنب المرضي الذي يتعبه ويعكّر حياته حين يصبح راشداً، لا سيما إذا كان يعيش بين جماعة حاضنة تغذيه وتقويه.
حالة حقيقيَّة
شابٌ كتب قائلاً: أعاني من فرطٍ في التفكير مع تهويل الأمور بشدة، مع أنها يمكن أنْ تكون لا تحتاج كل هذا التهويل، وأيضاً وجود تأنيب ضمير مستمر على أشياء تافهة أو على أنني عملت المطلوب مني على قدر ما أقدر في أي أمر، ولكنْ يظل هناك تأنيب ضمير. مثل أنني وجدت قطة صغيرة جداً وضعيفة وشكلها تبدو لم تأكل من فترة، أردت مساعدتها وحاولت إمساكها عن طريق إعطائها الطعام، ولكنها ظلت تحت السيارة ولم أستطع إخراجها، وذهبت إلى البيت وأنا ضميري يؤنبني أنني كان يمكنني أنْ أنقذها.
ولديّ أيضاً حساسيَّة زائدة، مثلاً عندما يمرض أي حيوان عندي أحزن وأشعر أنَّ الدنيا انتهت، ومعها أيضاً تأنيب ضمير شديد، وهذا يجعلني أعيش دائماً مع جلد ذاتٍ مستمرٍ، ولا أطيق أنْ أعيشَ هكذا أكثر من ذلك.
ولأنَّ حالته تستوجب مقابلته، فقد دعوناه للحضور الى مقر جريدة الصباح.