كان يحدثني وملامح الحزن بادية على وجهه، لأنه كما فهمت بعد ذلك، يعيش صراعا ما بين ضميره وبين غريزة حفظ النفس من المكاره.
بدأ حديثه حينما مررنا بحادث مروري على الطريق، قائلا :»مع الأسف بعض الناس قطعوا سبيل المعروف» وحين استفساري منه عن اصل القضية، ذكر لي انه وبحكم عمله كسائق أجرة بين المحافظات قرر ألّا يساعد احدا حتى وان رآه على وشك الموت، بسبب موقف تعرض له وانجاه الله
منه بمعجزة.
قال في بداية عملي على هذا الطريق مررت بسيارة مقلوبة وفيها شخصان، فبادرت الى ركن سيارتي بغية اسعافهم، وفعلا تمكنت من ايصالهم الى مستشفى قريب والرجل والمرأة على وشك الموت، وحينما سلمتهم وتركتهم بين ايدي الاطباء وهممت بالرحيل، فوجئت باحد ضباط الشرطة يقول لي :( وين رايح شنو كلبتهم وجاي تفلت) فاقسمت له اني وجدتهم على الطريق واوصلتهم الى المستشفى طمعا في الأجر والثواب وخدمة للانسانية، فلم يقتنع بكل التفاصيل التي سردتها له، حتى أفاق الرجل من غيبوبته بمعجزة وبرأني، عندها فقط تم اطلاق سراحي ونجوت من سجن مؤبد او «كوامة» عشائرية لو كان الرجل مات لا سمح الله.
سحب نفسا عميقا وقال والضيق باد على وجهه:»للأسف هذه التصرفات تجعل الانسان ينأى بنفسه خوفا من الدخول بمشاكل قانونية او عشائرية، ما يدفعه للتخلي عن انقاذ انسان والتصرف خلافا
للطبيعة البشرية».
هذه حالة من حالات قطع سبيل المعروف، والأخرى نقلها لي احد اصدقائي واخبرني ان عشيرته قررت ألا تسمح لأحد من ابنائها انقاذ شخص على الطريق او أيا كان الحادث، لأن احد ابناء عمومته قام بنقل شخص مصاب الى المستشفى ليجد نفسه متهما من قبل الشرطة وعشيرة الرجل المصاب بأنه المذنب باصابة ولدهم، وبعد التي واللتيا وتفاصيل يطول ذكرها تمت تبرأته، لتقرر العشيرة تبعا لهذا الموقف انها لن تقوم بمساعدة اي شخص منها يضع نفسه مجددا بهذا الموقف وليتحمل هو المسؤولية.
هذه قصتان من مئات القصص التي نسمعها بين الحين والآخر، والغالبية تتحسر على ان هذه الافعال تتسبب بقطع سبيل المعروف، ما يجعل أي إنسان ما عرضة للخطر او الموت، بسبب امتناع الناس عن مساعدته خوفا من
المشاكل.
وحين التأمل بالقضية تتوصل الى يقين لا يعتريه شك، ان المؤسسة الأمنية هي المذنبة بالدرجة الاولى، لكونها تتعامل مع هذه القضايا بطرق بدائية خالية من اي تحقيق او تتبع، بسبب عدم مهنية بعض افرادها وخلو الكثير من الطرق من كاميرات المراقبة، الأمر الذي يجعل السائق بين مطرقة الضمير وسندان المشاكل القانونية، والطرف الثاني الذي لا يقل ذنبا عن المؤسسة الامنية هي العشيرة او «السنينة» العشائرية كما يطلق عليها، لكونها تفكر اولا واخيرا بكيفية الكسب المادي والحصول على تعويض مالي حتى ولو كان سحتا، ضاربة عرض الجدار الجهد الانساني للشخص المنقذ، وبهذا تتشارك هاتان الجهتان مع سبق الاصرار والترصد بقطع
سبيل المعروف.