محمد عبد الجبار الشبوط
يتفق المحللون على ان بيان المرجعية الدينية الذي قُرئ في خطبة الجمعة يوم 14 حزيران مثل نقطة تحول مهمة في موقف المرجعية من الوضع الراهن. ولا مبالغة في القول ان هذا البيان لا يقل اهمية عن فتوى الجهاد الكفائي ضد داعش. فقد مثل البيان "فتوى سياسية" في وجه الترهل بل التسيب في حالة الدولة على مختلف المستويات، ذكرها البيان لاول مرة بمثل هذا التفصيل والوضوح بدرجة لا يحتاج معها الى شرح وتوضيح وتفسير.
فالحقيقة الماثلة ان الدولة مصابة بما يشبه الشلل بسبب التنافس والصراع بين القوى السياسية القديمة والجديدة. واذا كانت حالة التنافس والصراع طبيعية ومتوقعة في المجتمع البشري فان الكارثة غير الطبيعية ان تستمر عملية ادارة هذا الصراع والتنافس بنفس الطريقة التي ادت بالدولة الى الفشل والعراق الى الكوارث، واعني بها طريقة "المحاصصة الحزبية والعرقية والطائفية على اساس الاستحقاق الانتخابي"، وهي الطريقة التي تقف وراء كل حالات العجز والعوق والفساد التي تعاني منها الدولة العراقية.
ويؤسفنا ان نتحدث بمفردات طائفية لتوصيف هذا الصراع والتنافس. فهو في الواقع يدور بين القوى الشيعية تحديدا او بالدرجة الاولى فيما تنتظر القوى الكردية والسنية نتيجة هذا الصراع النهائية. وهذا ايضا من نتائج البناء الطائفي والعرقي للدولة العراقية.
يتصور بعض الناس، متوهمين، ان هذه هي الديمقراطية، وان ما يتعرضون له من معاناة وصعوبات الحياة انما هو من نتائج الديمقراطية واخذ بعضهم يشعر بالحنين الى وضع سابق. بينما هو في الواقع من نتائج الانحراف الخطير عن الديمقراطية والحداثة في بناء الدولة. ما يجري في العراق لا يمت الى الديمقراطية بشيء، انما هو تجسيد للطائفية السياسية باكثر صورها تخلفا وبدائية. والطائفية هنا تشمل الطائفية الدينية والطائفية العرقية والطائفية الحزبية. فالقوم انقسموا الى "طوائف" مفرقة ومشتتة لا يجمعها الحبل الوطني الواحد.
سارعت بعض الاطراف الى اعلان براءتها من دم يوسف وربما رفع بعضها قميص عثمان حتى لا تتهم بالمسؤولية عن شلل الدولة، وبدأت تستخدم مفردة "المعارضة" بصيغ شتى للدلالة عن عدم رضاها عن الوضع القائم، وهي جزء منه، للبرهنة على ولائها للمرجعية الدينية. وربما ينفع ادعاء الولاء للمرجعية في الوسط الشيعي لكن الامر قد لا يكون نافعا خارج هذا الوسط.
ما ينفع فعلا هو العمل بما توحيه وتدعو اليه توجهات المرجعية، وهو، في شقه الاول، التخلي عن الاساليب والطرق والمناهج القديمة في بناء السلطة وادارتها، واعني بذلك "المحاصصة الحزبية والعرقية والطائفية على اساس الاستحقاق الانتخابي"، ومعالجة عيوب التأسيس واخطاء الممارسة علاجا جذريا؛ ويتمثل في شقه الايجابي باتباع منهجية جديدة في بناء الدولة وادارة السلطة تتمثل في اسسها الخمسة المعروفة، وهي: المواطنة والديمقراطية والقانون والمؤسسات والعلم الحديث. وهي اسس يؤدي الالتزام بها الى اقامة دولة حضارية حديثة في العراق يقل فيها الفساد وتتحسن فيها الخدمات ويطيب العيش.
قد لا تجد القوى السياسية نفسها منسجمة مع هذه الاسس، وفي هذه الحالة يجب ان تكون صريحة ولا تحاول الالتفاف على الحقائق والمناورة، والا فسوف تكون ازاحتها من موقع القرار والتشريع والتنفيذ هي المهمة الاولى التي يتعين على العراقيين القيام بها بطريقة ديمقراطية سياسية سلمية سليمة.