مفارقة كارثية تميزت بها الأنظمة العراقية، هي: حرب إسقاط وتسقيط (وطني) للانتماء والولاء عن مواطني الدولة!!. فوفق أقيسة الآيديولوجيات وسياسة السلطات تم تبعيض الجسد العراقي إلى: تبعية عثمانية ،إيرانية، شراكوه، عصاة، معدان، شعوبيون، روافض، نواصب، شين تكعيب..الخ من أشكال التنميط والاتهام والتي بها ومن خلالها تم اسقاط الانتماء والتشكيك بالولاء،.. والهدف الحقيقي هو (الإقصاء والاحتكار)، فالاقصاء هدفه احتكار الوطن، والاحتكار هدفه الاستئثار بالسلطة والثروة لصالح فئة دون أخرى،.. وهكذا دواليك.
ما هو معيار الانتماء والولاء في الدولة العراقية منذ تأسيسها 1921م؟ هل هو معيار الانتماء القانوني للدولة؟ أم هو الانتماء العرقي الطائفي الحزبي؟ وإذا كانت الوطنية ولاءً، فكيف نضمن ولاء مواطن لا تعترف السلطات بمواطنيته الكاملة ولا تمكنه من منظومة حقوقه وتمارس التخوين والإقصاء بحقه استناداً الى المعايير الإقصائية للسلطات؟ وهل الولاء يحتم وحدة الانتماء؟ فلكي نكون عراقيين، هل يجب أن نتشابه عرقياً أو نتوحد مذهبياً أو نتماثل سياسياً؟ هل هذا ممكن وصحيح؟ وإذا كان لا، فمن له الحق التشكيك بوطنية هذا المواطن أو ذاك استناداً الى التنوع المجتمعي أو التعددية الفكرية أو القناعات السياسية؟ وهل أنَّ المعيار الأوحد القومي الطائفي الحزبي بقادر على تحقيق الوحدة الوطنية أو الظفر بالسلام المجتمعي أو التطور السياسي؟
الدولة التي لا تمتلك معياراً صالحاً في التعاطي مع مواطنيها، والتي تعتمد معايير التصنيف التراتبي المنحاز، هي سلطة مختطِفة للدولة لغرض الحكم والامتياز ليس إلاّ،.. ودولة كهذه لا تلبث أن تتفكك بفعل تصدع وحدة أمّتها،.. فالمفترض بالدولة أنها أمّة مواطنين لا تتميز بها قومية ولا تحتكرها طائفة ولا يبتعلها حزب، وأي تقييم تمييزي (عدا المستند إلى المعايير الوطنية) يشي بوجود أزمة في المعيار هدفه المستتر الاستئثار بالسلطة من موقع عرقي أو طائفي أو آيديولوجي أو حزبي عصبوي عصاباتي.
قبل 2003م أجهضت الأنظمة السياسية معيار عراقية العراقي انتماءً وولاءً، فهناك مواطن من الدرجة الأولى والثانية والثالثة، وهناك تبعية عثمانية وإيرانية، وهناك الوطني والشعوبي، وهناك المواطن البعثي وغيره لا يستحق المواطنة!! فخالفت الأنظمة مقاسات المواطنة التامّة، فمارست التمييز ووقعت في اشكالية تحقيق العدالة وبسط المساواة. ولأنها اختطفت الدولة لأجل السلطة راحت الأنظمة تستند الى التمييز المجتمعي السلبي وتمكّنه سياسياً لضمان البقاء، فنشأت الدولة العرقية الطائفية المحتكرة، والنتيجة: مكسب للحاكم/السلطة، وخسارة للأمّة/الدولة. بعد 2003م تمت شرعنة تشظي معيار عراقية العراقي هذه المرة على أساس من معيار المكوّنات في الهوية والاعتراف والمصلحة، فأمّة الدولة ليست بأمّة، هي تكدس هويات عرقية طائفية متنافرة تتنازع السلطة والثروة، تختلف على الصلاحيات والحدود، تتباين في المصالح والسياسات،.. ولم يعد معيار العراقية يكفي في الإشارة الى الذات الوطنية، فعليك تقزّيمها لتُعرف، عليك أن تعرّف نفسك أنك شيعي أو سني، عربي أو كردي أو تركماني، مسلم أو مسيحي،.. ثم تصرّح بعراقيتك!! هذه هي المحصلة للنظام التوافقي المكوناتي، نظام: المكوّن/السلطة/الحزب، على حساب نظام: الأمة/الدولة/المؤسسة. ما لم يتصدر المشروع الوطني ومعاييره، فإنَّ مواطنة ومواطنية ووطنية العراقي في خطر، كما الوطن في خطر، والإنقاذ مهمة النخبة الوطنية.