المفكر المحظوظ مجدّداً!

الصفحة الاخيرة 2019/06/29
...

 جواد علي كسّار
كنتُ على وشك الكتابة عن المفكر المحظوظ حسين نصر للمرّة الثانية، حين وصلتني من القاهرة هدية نفيسة من صديقنا الباحث عقيل عبيد، هي الترجمة العربية لكتاب حسين نصر: «مثالات الإسلام وحقائقه» من منشورات «آفاق» القاهرية.
واقعتان دفعتاني للكتابة مرّةً أخرى عن فكرة «المفكر المحظوظ» ومثالها حسين نصر. الواقعة الأولى، أنني كنتُ وزوجتي في مصر قبل بضعة شهور، حين وجدتُ نفسي في ميدان طلعت حرب وسط البلد، فاقترحتُ على زوجتي أن نوزّع الأدوار لكي نستفيد من الوقت ونفترق؛ هي إلى مركز طيبة الضخم للملابس، لكي تشتري ما تحتاج إليه من هدايا للأولاد والأحفاد؛ وأنا إلى مكتبة الشروق وسط الميدان، لكي أطّلع على حركة الكتاب وآخر إصدارات الدار، وهذا ما كان!
كان من بين المفاجآت التي أدهشتني كثيراً، وجود صفّ من كتب المفكر الإيراني المقيم في أمريكا حسين نصر، جميعها تُرجمت في القاهرة ونُشرت فيها، منها «الإنسان والطبيعة»، «الإسلام ووعثاء الإنسان الغربي الحديث»، «الفكر والحياة الإسلامية»، «الحاجة إلى علم مقدّس» وربما كتب أخرى لم تسعفنِ بالتقاطها كاميرا هاتفي الجوّال، التي وثّقت لهذه الكتب.
ليس هذا وحده، فبالإضافة إلى دور متفرّقة، بدت دار آفاق القاهرية للنشر والتوزيع، وكأنَّ اختصاصها ترجمة كتب حسين نصر ونشرها بالعربية، وهذا أمرٌ حسن وعمل نافع، يزوّدنا بطاقة إيجابية ونحن نرى الفكر يتحرّك بلا حواجز إقصائية دينية أو مذهبية أو معرفية، وحتى عنصرية أو مكانية. لكن محلّ الشاهد هو فعلاً الحظّ الذي يحظى به نصر، فما يكتبه بالإنكليزية ينتشر سريعاً في أمريكا وأوربا، وتصدر ترجمته فوراً باللغة الفارسية ببلده الأصلي إيران، ثمّ يشقّ طريقه إلى القارئ العربي عبر بيروت سابقاً والقاهرة الآن!.
أما الواقعة الثانية التي دفعتني لكي أغبط حسين نصر على حظّه المتميّز (وربما أحسده!) هو ما حصل له في طهران، ففي نطاق مجموعة «التأريخ الشفوي لإيران في عصر الشاه» صدر له كتاب «الحكمة والسياسة» بالفارسية، وهو الكتاب الأوّل من أربعة أجزاء، عبر حوار معه موثّق بالصوت والصورة، تناول حياته، والسياسة الثقافية في عصر الشاه، ودوره في هذه السياسة من خلال جامعة طهران، ثمّ مبادرته لتأسيس المنظمة الملكية للفلسفة، وترؤسه لمكتب الملكة فرح ديبا، وصداقته مع جلال آل أحمد ومرتضى مطهري، واقتراحه على الملكة إطلاق اسم الفيلسوفين الميرداماد وصدر الدين الشيرازي، على اثنين من أهمّ شوارع طهران، ثمّ الثالث باسم السهروردي حينما طلبت الملكة استبدال الشارع الذي يحمل اسمها باسم آخر، فاقترح عليها السهروردي، فوافقت من فورها!.
الذي أثار حفيظتي أكثر، هو احتفاء الباحثين بكتاب نصر، حتى عدّه بعضهم أنه من المراجع التي لا غنى عنها في تأريخ إيران، في حين بدا رسول جعفريان (المؤرخ الجاد الرصين) مبهوراً بالكتاب ومبتهجاً به؛ فهل هناك حظّ لمفكر في أواخر حياته أحلى من هذا الحظّ؟!.