مجاشع التميمي
الكثير منا يتساءل عن أهداف ودوافع الزيارات المكوكية، التي قام بها رئيس الحكومة السيد محمد شياع السوداني، واللقاءات المكثفة التي أجراها مع شخصيات وأطراف ذات ثقل دولي، والتي بدأت مباشرة بعد سقوط نظام بشار الأسد. ومع مرور الوقت، اتضح أن هذه التحركات تأتي في سياق مساعي العراق للعب دور إيجابي وفاعل في الأزمة السورية، وأن يكون محركاً رئيسياً في جهود حلها.
وعند النظر بتمعن إلى نتائج وتفاصيل تلك الزيارات واللقاءات، يتبين أن العراق يسعى من خلالها إلى وضع خارطة طريق واضحة للتعامل مع الأزمة السورية، بما يتناسب مع مصالح المنطقة واستقرارها، بعيدا عن التدخلات الأجنبية. هذه الجهود تعكس رؤية استراتيجية تهدف إلى تقديم حلول شاملة، تأخذ بعين الاعتبار جميع الأبعاد السياسية والإنسانية للأزمة، بهدف تجنب تفاقم الأوضاع وتحقيق تسوية تحظى بتوافق دولي وإقليمي. العراق، الذي لطالما كان بمثابة جسر بين الشرق الأوسط وأجزاء من العالم العربي، يأخذ اليوم زمام المبادرة، ساعيا إلى إعادة تشكيل مستقبل سوريا بيد عربية خالصة، بعيدا عن التأثيرات الدولية والإقليمية الثقيلة. هذه الخطوات تأتي في وقت حساس، حيث يعكس الموقف العراقي إرادة قوية في إعادة التوازن بالمنطقة. وبينما يسعى العراق لوضع بصمته في إعادة صياغة المواقف الإقليمية، يسعى إلى تقديم الحلول، التي تأخذ بعين الاعتبار التنوع القومي والديني في سوريا، مع الحفاظ على وحدة الأراضي السورية واستقرار المنطقة ككل. العراق يهدف من خلال هذه التحركات إلى توجيه حل الأزمة السورية عبر مظلة الجامعة العربية، ويؤكد أهمية الدعم العربي لسوريا في مرحلة ما بعد سقوط نظام بشار الأسد. في هذا السياق، أشار وزير الخارجية فؤاد حسين إلى أن بغداد تخطط لعقد اجتماعات مهمة حول الوضع في سوريا، في خطوة تعكس الالتزام الكامل بإيجاد حلول قائمة على التعاون العربي. ويتماشى هذا الموقف مع الدستور العراقي، الذي تنص المادة الثالثة منه على أن "العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب، وعضو مؤسس وفعال في جامعة الدول العربية، وهو ملتزم بميثاقها وجزء من العالم الإسلامي". هذا التوجه يعكس رغبة العراق في لعب دور محوري في حل النزاع السوري بالتنسيق مع الدول العربية. بعد مشاركته الفاعلة في اجتماعات لجنة الاتصال العربية الوزارية بشأن سوريا، التي تم تشكيلها بقرار من جامعة الدول العربية، وضمت دول الأردن والسعودية، ولبنان ومصر، إلى جانب أمين عام جامعة الدول العربية. كما حضر الاجتماع ممثلون عن الإمارات والبحرين وقطر، في خطوة تعكس التنسيق العربي المشترك في التعامل مع الأزمة السورية. كما تم التنسيق بين وزراء الخارجية العرب في اجتماعات مع ممثلين عن تركيا والولايات المتحدة، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي والمبعوث الأممي بشأن سوريا. هذه الاجتماعات تبين أن العراق يسعى إلى أن يكون جزءا أساسيا من الحل العربي والإقليمي في سوريا، دون أن يكون هناك تدخلات من الأطراف الإقليمية الأخرى. هذا الموقف يعكس رؤية واضحة لتسوية الأزمة السورية ضمن إطار عربي شامل، مع التأكيد على أهمية دور جامعة الدول العربية في قيادة جهود الحل.