محمد صالح صدقيان
منذ تنفيذ مشروع جمع مقاتلي الحركات الإرهابية والتكفيرية في مدينة ادلب بعد عمليات خفض التصعيد في المناطق السورية، التي رعته دول "مسار استانة" عام 2017؛ كانت أوساط متعددة تفكر برسم السيناريوهات لمستقبل هؤلاء المقاتلين الذين بلغ عددهم اكثر من ثلاثين ألفا؛ في الوقت الذي ضمنت دول المسار تركيا؛ روسيا وايران حياتها في المدينة المحاصرة من قبل الجيش السوري بمساعدة ايران وروسيا بما يملكون من مستشارين وقوات متحالفة مع الجيش من أجل تحييد هؤلاء المقاتلين. لكن بقاءهم في هذه المدينة المحاصرة جعلهم يلجؤون إلى تشكيل إدارتهم المدنية من أجل إدارة المدينة وخدماتها عبر تشكيل وزارة معنية بالقطاعات الخدمية والشرطة والمقاتلين، إضافة إلى المساعدات التي وفرتها تركيا لمدينة إدلب ما أدی إلى تعميق العلاقات بين الجيش التركي الذي دخل الأراضي السورية عام 2016 مع المقاتلين، الذين كانوا ضمن منظمات وميليشيات متعددة ومتنافسة على الاستحواذ على ادارة القتال وعلى قيادة الفصائل الأخرى؛ اضافة إلى امتداد هذه الفصائل في داخل الأراضي التركية والحصول على غطاء أمني وسياسي واقتصادي من السلطات التركية في معادلة عميقة ومعقدة من هذه السلطات. لقد ساهمت الأحداث والتطورات بعد السابع من اكتوبر؛ واستمرار الحرب الاوكرانية في جعل "مسار استانة" عديم الطعم واللون والرائحة؛ بالشكل الذي لم يعد فيه قادرا على ادارة هذا المسار الذي كان يهدف في نهاية المطاف اجراء مصالحة سورية سورية، واشراك المعارضة مع النظام بشراكة تقوم على تغيير الدستور واجراء انتخابات وتشكيل حكومة على أساس الدستور الذي يوافق عليه الشعب السوري. أخطأ النظام السوري في عدم التفكير بوضع المقاتلين في مدينة إدلب؛ ومخاطر وجودهم في قلب الأراضي السورية؛ كما أنه أخطأ بعدم الاستجابة لاقتراحات بفتح الحوار مع الأحزاب السياسية والمعارضة، لحل الأزمة السورية، استنادا على الوحدة الوطنية وقواعد المشاركة السياسية. إن استمرار الحرب في غزة وتداعياتها على دول المنطقة وفسح المجال أمام رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو من قبل الولايات المتحدة للانفراد بقراراته الرامية، بعدم وقف إطلاق النار في غزة والتوجه للبنان من أجل تصفية مؤسسة "حزب الله"؛ وضع المنطقة في خيارات جديدة. ويظهر أن الكيان الاسرائيلي استغل الازمة في لبنان التي أشعلها بوجه "حزب الله"، ليقنع إدارة الرئيس جو بايدن بإنهاء النظام السوري، من خلال تفعيل دور المقاتلين في إدلب بمساعدة تركية، مستغلين في ذلك الأوضاع الاقتصادية الصعبة، التي يمر بها السوريون حكومة وموظفين وشعبا إضافة إلى استمرار الحرب لأكثر من 13 عاما بين السوريين، الذين اصطف بعضهم لصالح المعارضة المسلحة، فيما وقف الآخر مع النظام السوري، حيث كان لهذا الاصطفاف أهميته الذي كان شكلًا آخر من أشكال الحرب الأهلية. واستنادا على ذلك تم عقد اجتماع في مدينة اسطنبول التركية في سبتمبر الماضي - كما يقول العميد احمد رحال العضو البارز في تنظيم الجيش السوري الحر – بين فصائل إدلب المسلحة ومسؤولين في المخابرات الامريكية والبريطانية والفرنسية والالمانية، التي سخرت امكاناتها العسكرية والمالية والامنية في الوقت، الذي تم الاتصال مع شخصيات كبيرة في قيادة الجيش السوري لقيادة عمليات تنهي حكم النظام السوري. إن سقوط مدينة حلب وريفها ثاني أهم المحافظات السورية بشكل سريع ومفاجئ أعطی مؤشرا واضحا إلى أن احجار الدومينو بدأت بالتساقط، وهو ما حدث بالفعل، حيث سقطت جميع المحافظات السورية باقل من اسبوعين بيد "هيئة تحرير الشام"، التي دعمها اجتماع اسطنبول لتنطوي تحت يافطته جميع الفصائل، التي كانت مدرجة على اللائحة الإرهابية أمميا وأمريكيا وأوروبيا وحتى تركيا! بعد تغيير لونها ورايتها وطعمها. لا أريد الدخول في التفاصيل لأنها سردية طويلة ممزوجة بتداعيات تاريخية وسياسات طويلة مارسها النظام، الذي كان تحت حكم حزب البعث منذ أكثر من خمس عقود تفنن في تنفيذ قواعد الديكتاتورية والاستبداد بحق الشعب السوري وقومياته ومناطقه؛ لكن سوريا التي خرجت من هذه المخاضات، ومن سنوات الاستبداد؛ أمامها طريق طويل وصعب للوصول إلى بحر الأمان والاستقرار في ضوء وجود عوامل جيوسياسية مهمة في الوضع السوري إن في الميدان أو في السياسة. فالقوات الامريكية موجودة في شرق الفرات ولا يدري أحد مصير هذه القوات التي دخلت سوريا لمكافحة الحركات الارهابية، التي أصبحت الآن هي التي تحكم سوريا وهي اليد الأمريكية في سوريا!. في الجانب الآخر هناك القوات التركية، التي دخلت سوريا لمواجهة الحركات الكردية الانفصالية، والتي أصبحت اليوم هي التي تسيطر على المناطق الكردية، حيث يعطيها الوجود الامريكي غطاء سياسيا وامنيا وعسكريا. اما الحركات السياسية فهي مقسمة على عدة عواصم. فهناك منصة موسكو؛ ومنصة القاهرة؛ وثالثة منصة اسطنبول ؛ ورابعة في عدد من الدول الخليجية؛ وخامسة موزعة في عدد من الدول الاوربية وأمريكا؛ ولكل من هذه المنصات والشخصيات اجندته الخاصة وارتباطاته الاقليمية والدولية. واذا ما أردنا التعرف على تفاصيل هذه الخارطة التي من المفترض ان تجتمع لتغيير الدستور واجراء الانتخابات يجب النظر إلى الجهات المشاركة في مؤتمر العقبة في الأردن السبت. إن الدول المجتمعة في الأردن من حقها الاجتماع من اجل استيعاب ما يمكن استيعابه من تطورات مقلقة للجميع ؛ لكن دخول الكيان الاسرائيلي على هذا الخط في التخطيط والتنفيذ يجعل هذه الازمة تتصاعد لتحقيق اهدافها في خلق "شرق أوسط جديد" على مقاسات نتنياهو ! هل يمكن تحقيق ذلك؟
ربما احتجنا لمقال قادم يوضح أبعاد سردية الشرق الاوسط الجديد !.