حالات متشابهة ومشاهد

آراء 2024/12/16
...

 د. أثير ناظم الجاسور


أقسى ما في هذه الحياة، وأنت تحاول أن تثبت أنك إنسان أو تُحاول طيلة حياتك أن تكون إنسانا مع كل ما تواجهه من أساليب تمنع أن تمتلك أبسط الحقوق، وما أقساها من أن تُخيرك بين رهانين أسهلها صعب ولا يُحتمل، لما لها من معطيات ونتائج قد تكون فوق طاقة البشر، ما أقساها وهي تُحيلك إلى أن تكون آلة بيد أنظمة وجماعات لا تعتقد بغير ما تفكر وما تتبنى من مواقف، كلها قسوة والإنسان لا يمتلك حريته وحقوقه حتى بعد أن يُسلب كل ما يملك من كرامة فلا قضية له ولا مشيئة تعينه للوصول لحياة كريمة، هكذا هي الحياة مع الطغاة وما بعدهم، فكلها فخاخ يقع بها الانسان، ففي سبيل خلاصه من قهر وظلم يضطر السير في نفق مظلم يُحاول الوصول لنهايته مع احتمال عدم رؤية النور في هذه النهاية، وهذه هي الكارثة.

افتراضات هي حياة ما بعد الدكتاتوريات بشكل عام والعربية تحديداً، التي رسخت الخوف كفكرة وشعور فبات ملازما للشخصية العربية، بعد مورست ضده كل أساليب القمع والحرق والقتل والتنكيل بالنتيجة مصيره تحت الأرض، وإذا تمتع بحظ جيد نهايته المعتقل الطويل جدا غير المعلوم الوقت، نهاياته مفتوحة لأن هذا المواطن المحفوظ عند السلطة تمتع بعفو الحاكم، فلا بد من أن يحمد العلي القدير على رضا هذا الحاكم بأمر الله، يا للمصيبة ونحن نبحث عن مساحة حرية للحديث عن هموم مشتركة، ونطمح بأن تكون لنا قضية نحيا ونموت لأجلها، أحلام متعددة يبحث عنها كل إنسان قابع تحت حكم دكتاتور وحاكم ظالم، فالحياة بالنسبة له هي معتقل سواء خارج أسواره أو داخله، هي كذلك حياتنا عبارة عن صور ومشاهد تتكرر في هذه البلاد أو تلك وما نشاهده على شاشات التلفاز، أو ما نراه من مقاطع في مواقع التواصل أو تلك المقروءة هي حالة طبيعية مجرد صور لشعوب عانت وتعاني وستستمر بالمعاناة، لأن مرحلة ما بعد الدكتاتوريات معلومة، سواء بعفويتها أو من خلال رسمها وهندستها، فالمنطق العقلي يرسم للإنسان طريقه كنوع من الحقوق إلا نحن العرب القاتل والمقتول في ذات المستقيم انحراف أحدهما في هذا المستقيم هلاك للآخر، هذا الارتباط رسمته حياة سنوات أطول من عمر أجيال قد لا تفهم ما يحدث، لكنها ستعيش تبعات الخذلان والانكسارات، طمع السلطة وترسيخ فكرة البقاء بالضرورة تنتقل فهي عدوى لكل أصحاب الشعارات، الذين يُحاولون أن يكونوا مختلفين.

ما حدث في المنطقة العربية منذ العام ٢٠٠٣ ولغاية اليوم أي المدة الزمنية الممتدة من احتلال العراق وسقوط نظامه إلى سوريا، وفرار رأس نظامها لم تبين فقط بشاعة الأنظمة وتسلطها وساديتها وهي تتعامل مع شعوبها بقسوة لا مبرر له، بل الأخطر أنها تركت وستترك آثارا خطيرة على مستوى التفكير ونمط الحياة والتعاطي مع القضايا، خصوصا تلك الأنظمة الشمولية القمعية، كالعراق وليبيا وسوريا مرورا بالأنظمة العربية، التي تسببت بأكبر قدر من الخذلان، التي أطيحت بها من خلال ثورات الربيع تباعاً، كلها أنظمة جعلت المنطقة تعيش في حالة من عدم الاستقرار سيستمر لمديات لا يتصورها العقل، لما تحمله من تبعات تمت مشاهدتها وسنرى ما لم يتصوره العقل. 

بالامس تكشفت وحشية النظامين العراقي والليبي وحجم تأثير سياسات هذه الأنظمة عن شعوبهم، وسوريا اليوم ومشاهد المعتقلات والسجون والصور، التي جسدت اسلوب وسلوك هذا النظام تُعطي انطباعا أن مستوى الوحشية، التي تعامل بها مع شعبه بالضرورة تستدعي التفكير بخطورة النتيجة العكسية، وهذا مخيف لدرجة قد تُعيدنا لكل ما حدث في العراق بعد سقوط نظامه وليبيا كذلك، المتشابهات بكل التفاصيل بنظام الأسد، فالقاتل كان يوزع مكارم الموت بين قتلاه بعفو عند المقبرة، فكانت بالضرورة مجابهة نتائج سقوطهم بطريقة عكسية، بالتالي فكل التوجهات والدعوات تصب في ضرورة أن تعمل الشعوب على ألّا تسلك سلوك القاتل، لأن طريق الحرية واضح ولا يتسع لقتلة آخرين، ومعتقلات الأجساد والأفكار لا محل لها في مساحات العدالة والحقوق والتسامح الاجتماعية، لنجعل من قضايانا تحيي ذلك الإنسان، الذي يستند على التسامح ويسكن الفكر السليم ويصنع دستورا للبشرية المراد منه السير في سبيل الحياة.