علي حسن الفواز
باتت سياسة فرض الأمر الواقع خياراً صهيونياً للاستيلاء على مزيد من الأراضي السورية، وإلى تحويل التوغُّل العسكري إلى إعلان فاضح للقوة، وإلى ممارسة تهدف إلى تدمير مؤسساتها العسكرية، وترسانة أسلحتها الدفاعية، من دون أي مراعاة للقانون الدولي.
كشف هذا العدوان عن نوايا الكيان الصهيوني، وعن دوره في تدمير شامل للبنى العسكرية، والسيطرة على الجغرافيا لفرض مناطق عازلة، وإلى تثبيت ما سُماه بـ"الاحتلال الوقائي" لكي تكون المدن السورية تحت مرمى النيران، والتهديد بالتوغُّل في مناطق جديدة، وكأنه يعيد إلى الأذهان ذاكرة عدوان الخامس من حزيران 1967، الذي كرَّس احتلال الأرض، وأخضعها إلى جغرافيا "إسرائيل الكبرى" كما روّج الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بقوله : إن أرض "إسرائيل صغيرة وتحتاج إلى التمدد".
الصمت الدولي والعربي على ما يجري من عدوان فاضح يثير أسئلة صادمة، وربما يضع علامات استفهام حول التواطؤات التي تحدث في الزوايا، وفي حسابات السياسة التي تديرها أجندات "أورو أميركية"، تمهيداً للبدء بتنفيذ إجراءات جيوسياسية قد تخضع سوريا إلى نوع من التقسيم، وإلى وضع الجماعات المعارضة التي استولت على الحكم أمام خيارات، أولها القبول بهذا الواقع بكلّ معطياته، وآخرها التعاطي مع السياسات التي تُمهِّد الطريق لإطلاق مشروع الشرق الأوسط الجديد.
سيطرة الجيش الصهيوني على منطقة جبل الشيخ، وهو جزء من سلسلة جبلية تطل على مناطق في الأردن ولبنان وسوريا، يؤشر مدى الأخطار التي ستفرضها هذه السيطرة، والتي رافقتها غارات مكثَّفة على أهداف عسكرية، حتى تبدو وكأنها مقدمات لإنجاز خارطة التمدُّد الصهيوني على الأرض السورية، وإلغاء الحديث عن مشروعية الجولان المحتل، فضلاً عن قطع الطريق على محاولات إعادة تسليح سوريا بعيداً عن الرقابة الغربية والصهيونية، لاسيما أن الغارات شملت تدمير مستودعات ومنصَّات عسكرية، يقول عنها الصهاينة أنها تضم صواريخ ستراتيجية، ومواد كيميائية، وأنهم يخشون أن تقع هذه الأسلحة تحت سيطرة جماعات الحكم الجديد في سوريا، فضلاً عن الزعم بأن هذه الإجراءات تدخل في إطار منع التواصل مع قوى المقاومة، والعودة إلى حرب جديدة ضد الكيان الصهيوني، وهذا ما يجعل توغله العسكري تسويقاً لفكرة الحرب المفتوحة، وإلى تحويل الاحتلال إلى "موقف دفاعي" كما سمّاه "نتن ياهو" وهو يطلق العنان لأفكاره العنصرية حول مرحلة ما بعد "تغيير النظام السياسي" في سوريا.
