إشادة نيابيَّة وسياسيَّة بتعامل الحكومة مع الملفِّ السوري
بغداد: شيماء رشيد ومهند عبد الوهاب ومينا أركان
بعد تمكنها من تجنيب العراق ارتدادات وتداعيات الأزمات المتلاحقة التي تعرضت لها المنطقة في الآونة الأخيرة، تمكنت حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني من تحقيق منجز دبلوماسي كبير، من خلال اعتماد المجتمع الدولي على العراق خلال الحوارات والمناقشات في الملف السوري الحساس، وما يكتنفه من تداخلات، خاصة بعد نجاح العراق في طرح رؤيته خلال اجتماع لجنة الاتصال الذي عقد في الأردن. موقف العراق، الذي جسدته الحكومة في التعامل مع تداعيات الأزمة السورية، لاقى تأييداً واسعاً برلمانياً، ومن الأوساط االسياسية والمجتمعية داخل البلاد.
سياسة السوداني
وأكد عضو مجلس النواب، ضياء الهندي، أن "العراق يسعى بخطى واثقة لاستعادة دوره المحوري في المنطقة"، مشيراً إلى "جهود رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في تعزيز العلاقات الإقليمية والدولية".
وأوضح الهندي في حديث لـ"الصباح"، أن "العراق، بفضل سياسة السوداني، تمكَّن من احتواء أزمات المنطقة خلال الأشهر الماضية، وأصبح يقود تحركات دبلوماسية تهدف إلى تنظيم الأوضاع الإقليمية".
وأضاف أن "العراق يستعد قريباً لدعوة دول المنطقة لإجراء حوار شامل يهدف إلى ضمان مستقبل سوريا"، مشيرًا إلى أن "هذه الخطوة تأتي في إطار تكليف دولي للعراق بالخوض في هذا الملف الحساس". كما أشار إلى أن "هذه الدعوة تعكس الثقة الدولية بالعراق ودوره كوسيط موثوق في حل الأزمات الإقليمية"، لافتاً إلى أن "نجاح هذه المبادرة من شأنه أن يعزز مكانة العراق كدولة قيادية في المنطقة"، قائلاً: "العراق يسعى لأن يكون سيداً متسيِّداً، ويؤدي دوراً محورياً في تحقيق الاستقرار الإقليمي".
كما بين أن "نجاح العراق في هذه المهمة سيمهد الطريق لمزيد من التعاون الإقليمي، ويدعم الجهود الرامية لتحقيق الأمن والسلام في المنطقة".
الموقف الرسمي
جدير ذكره، أن الحكومة العراقية، وعلى لسان الناطق الرسمي باسم العوادي، بيّنت مؤخراً، موقفها من التغيرات والأحداث الجارية في سوريا، وأكدت أنها تدعم كل الجهود الدولية والإقليمية الساعية إلى فتح حوار يشمل الساحة السورية.
وأكد العوادي، أن "العراق يؤكد ضرورة احترام الإرادة الحرّة لجميع السوريين، ويشدد على أنّ أمن سوريا ووحدة أراضيها، وصيانة استقلالها، أمر بالغ الأهمية، ليس للعراق فقط إنما لصلته بأمن واستقرار المنطقة"، كما جدد الناطق الرسمي "التأكيد على أهمية عدم التدخل في الشأن الداخلي السوري، أو دعم جهة لصالح أخرى، فإنّ التدخل لن يدفع بالأوضاع في سوريا سوى إلى المزيد من الصراع والتفرقة، وسيكون المتضرر الأول هو الشعب السوري الذي دفع الكثير من الأثمان الباهظة".
دعم برلماني
في سياق متصل، قال رئيس كتلة الصابئة المندائية البرلمانية أسامة البدري في حديث لـ"الصباح": إن "العراق لديه الإمكانيات الكبيرة في تعزيز ثقة المجتمع الدولي، ونحن في مجلس النواب نؤيد كل التحركات الدبلوماسية التي من شأنها إعادة الاستقرار للمنطقة، إذ يقوم العراق بدوره المحوري في تعزيز الاستقرار الأمني في المنطقة وقد نجح رئيس الوزراء في تعزيز الدبلوماسية ودورها المهم في التهدئة". وبيّن أن "العراق تربطه علاقات تاريخية مع سوريا، وهو يعمل على دعم الاستقرار الأمني والسياسي فيها وفي المنطقة، كما أن العراق يتعاطى مع الوضع السوري الجديد على وفق السياقات الدبلوماسية والبروتوكلات الدولية، وهذا يندرج ضمن حفظ الجوار والحدود بين البلدين بحسب القوانين الدولية واحترام سيادة البلدان وفق أسس قانونية ودبلوماسية".
ولفت البدري إلى أن "مجلس النواب العراقي يتعامل مع المعطيات والأحداث الدولية على وفق سياقات وسياسات الدولة، بما يحفظ به أمن العراق واستقراره السياسي والاقتصادي"، موضحاً أنه "لذلك فإن عقد المجلس لجلسة بشأن سوريا كان مهم جداً للإطلاع على كل المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية بشأن سوريا، بما يحفظ أمن العراق واستقراره الاقتصادي".
إنجازات جديدة
من ناحيتها، أكدت عضو مجلس النواب زينب الخزرجي لـ"الصباح"، أن "أمن العراق في مقدمة كل الأولويات، واستقراره أساس التعامل مع جميع بلدان المحيط الإقليمي، لأن العراق وبعد الإنجازات التي حققتها الحكومة الحالية؛ استطاع التعامل مع التطورات الحالية، خصوصاً في سوريا على وفق السياقات الدولية وحسن الجوار".
وأوضحت أن "عقد جلسات بمجلس النواب بهذا الشأن مهم جداً، لأن فيها اطلاع من قبل ممثلي الشعب العراقي على كل التحركات والاستعدادات الأمنية والسياسية في حفظ الأراضي العراقية وأمن البلاد".
ومنذ اندلاع الأحداث الأخيرة والتغييرات التي طرأت على الساحة السورية، أعلن العراق بشكل واضح لا يقبل التأويل؛ أنه مع حرية الشعب السوري الشقيق وإرادته الحرة في شكل النظام الذي يريده، كما دعت الدبلوماسية العراقية دول العالم إلى عدم التدخل بالشأن الداخلي السوري، فضلاً عن ذلك؛ دخلت القوات المسلحة العراقية بجميع صنوفها في حالة تأهب وانتشار على الحدود لردع وإجهاض أي محاولة لاستغلال الأوضاع في سوريا للتسلل أو زعزعة الاستقرار في البلاد.
صانع سلام
كما يرى الباحث في الشأن السياسي، الدكتور خالد العرداوي، أن "العراق نجح حتى الآن في الحفاظ على توازن دقيق بين دعم الحلول السياسية والحفاظ على وحدة الأراضي السورية".
وفي حديثه لـ"الصباح"، شدد العرداوي على أن "العراق الذي لا يريد العودة إلى ماضٍ مليء بالصراعات المسلحة، عمل على تقوية الإجراءات الأمنية على الحدود، واتخذ مساراً يشوبه الحذر لتفادي الانزلاق في الصراع العسكري".
وعلى الصعيد السياسي، يسعى العراق لأن يكون "صانع سلام" في المنطقة، كما يرى العرداوي، مؤكداً أن "الحكومة التي تجنبت التدخل العسكري المباشر في سوريا تتبنى سياسة دعم الحلول السلمية لحل النزاع السوري".
لاعب دبلوماسي
ومع تحول الوضع في سوريا، أكد الكاتب والمحلل السياسي محمد علي الحيدري، أهمية أن يكون العراق لاعباً دبلوماسياً فاعلاً في مساعي المصالحة السورية. وأضاف لـ"الصباح" أن "العراق الذي تربطه علاقة تاريخية مع سوريا، يمكنه أن يستغل هذه العلاقة لتعزيز موقفه في المنطقة"، منوهًا بأن "الفرصة سانحة أمام العراق ليكون أحد أبرز الوسطاء في الحوار السوري، ما يعزز من مكانته على الساحة الإقليمية والدولية".
موقف مسؤول
بدوره، أكد المحلل السياسي أحمد الهركي، أن "العراق يجب أن يتعامل مع الأزمة السورية على أنها مسألة داخلية تركز على تأمين الجبهة الداخلية وتعزيز الأمن الحدودي".
وأشار الهركي لـ"الصباح" إلى أن "العراق لم يرسل قوات للقتال خارج حدوده، ما يعكس موقفاً مسؤولاً ومؤثراً في تعزيز استقرار الوضع الداخلي".
كما شدد على أن "العراق احترم رغبة الشعب السوري في اختيار نظامه السياسي بعيداً عن التدخلات الخارجية"، مضيفاً أن "الوضع الداخلي في العراق الآن أفضل من ذي قبل بعد اجتياح تنظيم داعش الإرهابي، وهو ما يضمن حماية حدوده مع سوريا".
انعكاس الأزمة السورية، لم يتوقف على التحديات الأمنية والسياسية، وإنما يشمل الجانب الاقتصادي، وفي هذا الصدد، يرى الخبير الاقتصادي زياد الهاشمي أن "العراق يمتلك فرصاً كبيرة في استثمار الوضع السوري لصالحه".
وأوضح لـ"الصباح"، أنه "مع قطع سلاسل التهريب عبر الحدود، ستتمكن بغداد من حماية اقتصادها، ومنها موضوع تهريب الدولار إلى الخارج بفضل إجراءات الحكومة".
الهاشمي أشار إلى "إمكانية إعادة تفعيل الروابط الاقتصادية مع سوريا من خلال ربط السكك الحديدية بين العراق والموانئ السورية مثل اللاذقية وطرطوس، ما يفتح أبواباً للتجارة مع أوروبا"، مبيناً أنه "ومع عودة سوريا إلى المجتمع الدولي ورفع العقوبات، سيجد العراق نفسه أمام فرصة تاريخية لتعزيز دوره الاقتصادي والإقليمي".