{اللاجئون في الأرض}

آراء 2024/12/26
...

 د. هاني عاشور 

 

أقدم اعتذار ضمير ابتداء لعميد الأدب العربي المرحوم الدكتور طه حسين، اذ استعير مع بعض التغيير عنوان روايته (المعذبون في الأرض)، لأكتب عن اللاجئين في عالمنا اليوم. 

وحسب مؤشرات واحصائيات دقيقة فإن عالمنا اليوم يشهد لأول مرة في تاريخ الارض هذا العدد الهائل من اللاجئين، اذ يتجاوز العدد المسجل اكثر من 122 مليون لاجئ في مختلف دول العالم ومنذ عقود من زمن، وبعضهم في طريقه للجوء، وربما يكون هذا العدد مقاربا لسكان الكرة الأرضية قبل قرون. 

واغلب الظن أو العلم أن طوفان اللجوء لن يتوقف، فإذا كان قد حصل عدة ملايين منهم على الإقامة الدائمة أو جنسية البلد الذي رحلوا اليه، فإن عشرات الملايين ما زالت في الانتظار، ومنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلّوا تبديلا. 

فغالية اللاجئين على قائمة طويلة من الانتظار، ومن سجّلت مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أسماءهم تجاوز 32 مليون لاجئ، وأما البقية الباقية فهي رهن الظروف والاحوال، غير أن المصيبة الكبرى أن أكثر من 72 مليون لاجئ ما زالوا في بلدانهم أو بلدان مجاورة تحت عنوان النزوح، وعدم العودة، فيما يبلغ عدد اللاجئين من الاطفال من ضمن الـ 122، نحو 40 %، وهو ما يعني ان العالم عن قصد أو من دون قصد، قد أضاع أجيالا وأجيالا، خاصة أن اغلب اللاجئين قد فرّوا من بلدانهم إلى بلدان افقر، طمعا في الامان لا طمعا في المال أو قوت العيال، وربما تكون الدول الافريقية والدول العربية من أكثر البلدان التي تشهد موجات نزوح ولجوء.

في المؤرشفات الدولية المختصة، هناك اكثر من 12 مليون لاجئ سوري، في بلدان مجاورة لسوريا، أو من استطاعوا النفاذ إلى أوروبا عبر الطرق الرسمية أو تجارة تهريب البشر، مثلما يهاجر أو يلجأ أو يفر ملايين من سكان افريقيا إلى بلدان مجاورة لبلدانهم، وعلى الرغم من أن امريكا اللاتينية تشهد موجات هجرة ولجوء وفرار، إلا أنها أقل عددا من أفريقيا والدول العربية. 

لكن السؤال.. لماذا الهروب اللجوء الهجرة؟ أول جواب على ذلك، هو ان الحروب والصراعات وعدم الاستقرار السياسي، السبب الاول في ذلك، ثم الفقر وشح المياه واستثمار الغرب لثروات تلك البلدان يجعل شعوبها تفكر بالخلاص والهروب ولو على ظهر نملة، لعلّها تجد بصيصا من أمل. 

عالمنا الذي يتحدث بالديمقراطية والاخلاق وحقوق الانسان، هو الفاعل الاكبر في هذه المأساة المريعة، ولعل ذلك ما يجعلنا نسمع اقوالا ولا نرى افعالا، لكن الخطير في الأمر أن بعض الدول التي تتحدث بالإنسانية ترفع اليوم شعارات وترسم سياسات لمنع الهجرة وطرد المهاجرين، واعادتهم إلى بلدانهم ولو كانت بلدانهم تسبح فوق بحور الدماء أو الجوع. 

عالمنا اليوم اشبه بسفينة غارقة ينجو منها من ينجو ويغرق من يغرق، مهما اشتدت عواصف البحر وتشابكت أمواجه، هذه واحدة من مأساة عالمنا التي لا نرى فيها بوضوح غرقى السفينة، "اللاجئون في الأرض".