نرمين المفتي
لم أسمع في حياتي كلمة (الخوف بمختلف اشتقاقاتها) بهذا الكم في وسائل الإعلام كلها وفي وسائل التواصل الاجتماعي، ليس في العراق وحده، إنما في كل الدول العربية خاصة ودول كثيرة أخرى من مختلف القارات ومن بينها أوروبا عامة، بعد الذي حدث في سوريا وقرب تسنم دونالد ترامب لمنصب في البيت الأبيض.
بدءا، الخوف هو ثاني الغرائز البشرية التي وجدت مع خلق الإنسان مع الجوع والجنس. ويستجيب الخوف للتهديدات الحقيقية أو المتخيلة، وأحيانا تكون الاستجابة كبيرة جدا لتصبح حالة مرضية اسمه (الرهاب). ويدفع الخوف إلى حالة من التوتر وعدم الاستقرار تُجبر الأفراد على اتخاذ قرارات بناءً على العاطفة بدلاً من المنطق، ليكونوا عرضة للسيطرة عليهم بأسلوب أو بآخر، لذلك تم استخدامه كسلاح على مر التاريخ وأثبت على مر التاريخ أيضا بأنه من بين الأسلحة الأمضى في إنهاء أية مواجهة سياسية كانت او عسكرية أو غيرهما. وفي العقود الأخيرة، اصبح استخدامه كسلاح سياسي واضح سواء داخل البلد، أي بلد، أو بين الدول. وغالبا ما يلجأ السياسيون إلى الخوف لإبراز أنفسهم كمنقذين من خطر داهم، مما يعزز من شعبيتهم ويُضعف من مصداقية خصومهم، ودائما هناك وسائل إعلامية مختلفة في خدمة تسويق الخوف على الجماهير وتوجيه سلوكهم، لذلك يُعتبر الخوف سلاحًا نفسيًا قويًا يُستخدم لتأمين النفوذ وإحكام السيطرة، وغالبًا ما يتم استغلاله كوسيلة لتحريك العواطف وتغييب التفكير العقلاني. وأقرب مثال كان في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، اعتمد دونالد ترامب على الخوف لتأمين ولاء قاعدته الانتخابية وحشد أصوات جديدة. فقد تمكن من إخافة الناخبين من خلال أساليب عدة ومن بينها التهديد بالعنف والفوضى، إذ سوق ترامب أن خسارته ستجلب الفوضى للولايات المتحدة، مروجًا لفكرة أنه الوحيد القادر على الحفاظ على "القانون والنظام"، مستهدفا الناخبين الذين يخشون التغيرات السريعة أو العنف المحتمل في الشوارع، وإثارة الشكوك حول النظام الانتخابي، إذ زعم ترامب مرارًا في الانتخابات التي خسرها في 2020 أن الانتخابات مزورة، مما خلق شعورًا بالتهديد لدى أنصاره الذين اقتنعوا أن الديمقراطية الأمريكية في خطر ليقتحم عدد منهم مبنى الكابيتول. ولجأ، أيضا، إلى شيطنة الخصوم من خلال تصويرهم بأنهم ليسوا أعداء له فقط، بل للبلاد كلها، مما دفع حتى الناخبين في الولايات المحسوبة على الحزب الديمقراطي بالتصويت له فهو (أملهم) الوحيد ضد أي تهديد قادم. هذا الأسلوب جعل الناخبين ينظرون إلى ترامب كحاجز أخير ضد "تهديد" قادم. ويبدو وبعد فوزه الساحق في الانتخابات، انه لجأ إلى سلاح الخوف ضد العديد لحل العديد من القضايا ومن بينها حروب قبيل دخوله البيت الأبيض، وها نحن نرى ماذا يجري في العالم. ولا بد من الإشارة إلى ما يجري في المنطقة بعد إسقاط نظام الأسد في سوريا، ونكاد نلمس الخوف على مدار الساعة سواء في البرامج الحوارية السياسية او في تصريحات السياسيين والمسؤولين، مرة أخرى أشير إلى أنه ليس في العراق فقط، إنما المنطقة كلها. فهناك من يرسم سيناريوهات مخيفة ملوحا بتربص الإرهاب أو بعودة (الاخوان المسلمين وتجربة مصر معهم لا تزال في الأذهان) أو بإيقاظ الشوارع نحو (ربيع عربي جديد). وتسوق وسائل الاعلام، هذه المخاوف سواء بتضخيمها أو بالتقليل منها، ولا فرق بينهما، إذ إن الخوف يتسلل إلى المتلقي.. ويؤدي إلى تقسيم المجتمعات وخلق الكراهية بين أفرادها ويجعلهم مستعدين لأي شيء ليشعروا بالأمان. والأمثلة كثيرة وأعود إلى مثال ترامب، الذي نجح باستخدام الخوف في ترسيخ قاعدته الانتخابية، لكنه أيضًا أسهم في تعميق الانقسامات الأمريكية.
وتتطلب مواجهة سلاح الخوف وبكلمات مختصرة وعيًا جماعيًا وإصرارًا على تعزيز القيم الإنسانية والتفكير العقلاني. وكلما زادت قدرة الأفراد على التحليل والتصدي للمعلومات المضللة، قلت فعالية محاولات التلاعب بالعقول. المجتمع الواعي الذي يتمتع بثقة مؤسساته وتماسكه الداخلي هو الحصن الأقوى ضد أي استغلال للخوف كأداة للسيطرة.