أبعاد النفوذ التركي في سوريا

آراء 2024/12/29
...

 ا. د. عماد مكلف البدران


لم يعد مخفياً على جميع المهتمين بالشأن السوري والمحللين السياسيين، ما للدور الخطير الذي اضطلعت به تركيا في سوريا بعد أن أسقطت النظام واخذت تدير الأحداث وتتحكم فيها، فمع أولى موجات الهجوم من المعارضة السورية بقيادة جبهة تحرير الشام، تسلطت الأضواء على تجهيزاتهم وتدريبهم والأموال التي في حوزتهم لتكون أكبر دليل على ان لاعباً اقليمياً قد دس أنفه في القضية السورية، ولاسيما بعد فشل الاتفاق مع النظام في (مارثون) مفاوضات استانة الذي بدأ منذ عام 2017، وقد كان بين أطراف المفاوضات دول ذات نفوذ في سوريا ومنها ايران وروسيا، فضلا عن تركيا وكانت الأخيرة قد استطاعت الدخول عسكرياً في ادلب السورية لتؤسس بؤرة داعمة للمعارضة السورية المتطرفة ومنها جبهة النصرة وكذلك احتواء الاتجاهات الاخرى ذات التوجهات المدنية والعلمانية الديمقراطية، التي اجتمعت تحت مسمى (الجيش السوري الحر) ومسميات أخرى حملت لافتات عنوانها الحرية والديمقراطية، وهكذا بدأ الاحتواء التركي يهيمن على توجهاتها ويدعمها بالمال والسلاح على وفق الرؤية التركية، التي كان من أبرز اهدافها كما يبدو السيطرة على أراضٍ سورية مثلما احتل الاتراك لواء الاسكندرونة وضموه إلى تركيا في 1939، وربما سادت في الأوساط الحاكمة التركية ولاسيما معتنقو الفكر السياسي الاخواني، فكرة تأسيس خلافة اسلامية عالمية معاصرة وهذه المرة قد تكون (عثمانية) فهي حلم باتت ملامحه تظهر مع دعم الشبكة الاخوانية العالمية الممتدة على طول الخارطة الاسلامية، ولا يمكن استبعاد نظرية التخلص من النفوذ الايراني في سوريا ومن ثم في مناطق اخرى، وهذه نقطة الالتقاء مع (اسرائيل)، فقد أتت الفرصة المناسبة مع تشديد الضربات على سوريا وحليفها حزب الله في لبنان من أجل قطع طريق الامدادات، وهذا يفسر لماذا انطلقت عمليات زحف المعارضة السورية باتجاه دمشق واسقاط الاسد بعد عقد اتفاقية وقف اطلاق النار بين (اسرائيل) وحزب الله. وبذلك يكون اللاعب التركي قد اتقن استغلال الظروف، ونجح ليمد نفوذه على الأرض السورية، وسيعمد إلى تقوية ركائزه اذا ما خدمته الظروف، الا أن ما يؤرق الاميركي هو أن قيادة تركيا اخوانية ذات توجهات اممية خطيرة تهدف إلى إعادة بعث الخلافة العثمانية أو في أقل تقدير توسيع هيمنتها ونفوذها في منطقة نفوذ اميركية، ثم هناك خشية أكبر من أن الانموذج السياسي الاسلامي، الذي تنجح تركيا في فرضه في سوريا قد يصبح مثالاً يحتذى به ويكون مرغوباً. إن هذه الامور تدفعنا إلى التكهن من أن اصطفافاً جديداً سيحصل عاجلاً أم آجلاً، وقد بدأت ملامح هذه التوجهات تظهر جلياً في الإعلام العربي بشقيه الموافق للتوجهات التركية والمخالف لهذه التوجهات، إلا أنه أصبح يلمح إلى احتمال مواجهة بين الاتجاهيين قد يكون وقودها السوري مثلما كان حال العراق منذ سقوط النظام وما فعلته القوى الاقليمية، حينما حاولت تمزيق النسيج الوطني وأسست لها محاور للصراع، وكما فعلوا في ليبيا واليمن وهكذا الشعوب ضحية لصراعات النفوذ، وزيادة على ذلك نجد طموحاً تركياً متزايداً واطماعاً اقتصادية واسعة تريد أن تسيطر على السوق السورية وموارد هذه الدولة، فقد أصبحت تركيا من الدول الصناعية المتقدمة التي تحتاج إلى اسواق وموارد وطرق تجارية واسعة وها هي الليرة التركية تتداول إلى جانب الليرة السورية والدولار الاميركي في سوريا وبموافقة من القيادة الجديدة، ولا يمكن أن نستبعد سبب هذا النفوذ ورغبة الهيمنة هو القضاء على حزب العمال الكردي المعارض للحكومة التركية وفي أقل تقدير قطع الإمدادات عنه.