مجاشع التميمي
في وقت تتسارع فيه التحولات في سوريا بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، يبقى العراق ثابتا في مواقفه السياسية تجاه جاره الغربي.
فبعد أكثر من أسبوعين من سقوط النظام السوري، ومن خلال فتح قنوات اتصال مع الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، أكد العراق موقفه الثابت في احترام خيارات الشعب السوري وحماية وحدة أراضيه، وهو ما عبرت عنه زيارة رئيس جهاز المخابرات حميد الشطري إلى دمشق، وتأكيده على رغبة العراق في لعب دور فاعل في الأحداث الجارية في سوريا، مقابل رفضه البقاء بعيدا عن مسرح هذه الأحداث المهمة في المنطقة، اذ لم تكن هذه الزيارة بروتوكولية، بل حملت رسائل سياسية مهمة، في مقدمتها تأكيد موقف العراق وتمسكه في احترام خيارات الشعب السوري وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، ورفض كل محاولات الهيمنة على السلطة في سوريا، سواء من "هيئة تحرير الشام" أو من أي جهة أخرى. كما جدد تأكيده على ضرورة الانتقال السلمي للسلطة وتشكيل حكومة وطنية تضمن تمثيل جميع الأطياف السورية وحماية الأقليات، وهي مواقف منسجمة مع التوجهات العربية التي عبّر عنها رئيس الحكومة محمد شياع السوداني في اتصالاته مع عدد من الزعماء العرب. هذا التوجه العراقي يعكس حرصا على حماية الأمن الوطني من أي تأثيرات سلبية قد تنجم عن تطورات الوضع السوري، خاصة في ظل الجوار الجغرافي والتاريخي الطويل بين البلدين. فيما يتعلق بالعلاقات الدولية، يبدو أن الموقف العراقي يلتقي مع الموقف العربي والدولي، لا سيما مع الموقف الأميركي الذي بدأ يراعي التغيرات على الساحة السورية، ويتجلى ذلك بالمرونة في مقاربتها الجديدة مع الإدارة السورية التي يقودها أحمد الشرع. وفي هذا السياق، ترى واشنطن أن تدمير ما تبقى من الأسلحة الكيميائية السورية شرط أساسي لتطبيع العلاقات مع الحكومة السورية الجديدة، وهو شرط يشمل أيضًا التوافق مع الدول العربية التي تساند الحل السلمي في سوريا. وبعد الزيارة الأخيرة لوفد دبلوماسي أميركي برئاسة مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، باربرا ليف، والتي تناولت التحولات في سوريا، تظهر الولايات المتحدة اهتمامًا أكبر بالهيئات المعارضة للنظام السوري. وفي هذا الإطار، تجدد العلاقة بين واشنطن و"هيئة تحرير الشام"، وهي –العلاقة- ليست جديدة، بل تعود إلى عام 2016 عندما كان السفير الأميركي لدى التحالف الدولي ضد "داعش"، جيمس جيفري، على اتصال دائم مع أحمد الشرع. وقد أسهمت هذه الاتصالات في تقديم معلومات أساسية أسهمت في مقتل زعيم تنظيم "داعش" الإرهابي أبي بكر البغدادي. العراق، الذي يعاني من تبعات الصراع في سوريا على حدوده، يرى أن الوقت قد حان لتعزيز التعاون مع الجيران العرب والدوليين في سبيل إيجاد حل سياسي شامل في سوريا. من خلال تواصل رئيس الوزراء السوداني مع الزعماء العرب، يحرص العراق على أن يكون له دور محوري في أي عملية تسوية سياسية، بما يتماشى مع مصالحه الوطنية والإقليمية.