نبيه البرجي
حين كانت القوات الشيوعية في كوريا تندفع، كما الاعصار، باتجاه القوات الأميركية في الجنوب أوائل الخمسينيات من القرن الفائت، بعث الجنرال دوغلاس ماك آرثر، بطل الباسيفيك الذي انحنى الأمبراطور هيروهيتو بين يديه، ببرقية إلى الرئيس هاري ترومان يطلب فيها القاء القنبلة النووية على تلك القوات. للتو أمر الرئيس الأميركي آنذاك ماك آرثر بالعودة إلى واشنطن وأحلّ محله الجنرال ماتيو ريدغواي.
حجته كانت في تنحية الجنرال الذي كان مرشحاً للدخول إلى البيت الأبيض بدلاً من دوايت ايزنهاور. أنه لا يريد أن يصاب الجنرالات بـ"متلازمة هيروشيما"،لـ"أننا قد نصل إلى اللحظة التي نستخدم هذه القنبلة في شوارع نيويورك".
ذات يوم، فكر الرئيس دونالد ترامب بتوجيه ضربة نووية إلى كوريا الشمالية، طلب من وزير الدفاع اتخاذ الاجراءات اللازمة لتنفيذ ذلك، وكان أن بادر الجنرال جون هايتن، قائد القوات الاستراتيجية (ستراتكوم)، والذي يمسك بمفاتيح الغرفة النووية، إلى القول إنه لن ينفذ اطلاقاً أمراً غير قانوني، باعتبار أن العقيدة العسكرية تفرض على الضباط "رفض تنفيذ ضربة نووية ليست ضرورية لهزيمة العدو بأسرع وقت ممكن، أو ضربة من شأنها أن تسبب ضرراً للمدنيين، أو غير متناسب مع الهدف العسكري".
واذا كان ستيف بانون، كبير مستشاري ترامب الذي طرد من منصبه قد قال ان الرئيس "كان ينقلب على نفسه". أحياناً يظهر بدماغ وقلب وحيد القرن، وأحياناً بدماغ وقلب الدجاجة، أبدت مجلة "أطلانطيك" ذهولها لكون الرئيس الذي كان يتوعد كيم جونغ ـ أون بإزالة أي أثر له، ما لبث أن التقاه في المنطقة العازلة بين الكوريتين، وبصورة توحي برقصة التانغو بين الرجلين. هكذا حلت رقصة التانغو محل الليلة النووية.
الآن، كلام كثير من معاهد البحث الأميركية حول ما اذا كان دونالد ترامب في الولاية الثانية سيظهر في شخصية ثانية. في الولاية الأولى كان يقرع الطبول لينتهي بقرع الطناجر. الآن، انه الأمبراطور الذي مثلما يمسك بالكابيتول يمسك بالبنتاغون، تركيزه سيكون على احتواء الشرق الأوسط، واقامة الأسلاك الشائكة حوله.
في هذا السياق التماهي مع خطة بنيامين نتنياهو حول ضرورة استكمال حلقات السيناريو بتوجيه ضربة إلى المنشآت النووية الإيرانية، وربما إلى المنشآت النفطية، بعدما كان وزير الخارجية المعين ماركو روبيو قد اعتبر أن الامساك بالخطين التركي والايراني يعني اقفال الباب أمام طريق الحرير الصينية في آسيا الوسطى والقوقاز لصالح الطريق الهندي. في هذه الحال "السيطرة على قلب أوراسيا". وكان زبغنيو بريجنسكي قد قال أن من يسيطر على أوراسيا إنما يسيطر على الكرة الأرضية. المثير هنا أن روبيو يعتقد أن روسيا، وبعد تسوية المسألة الأوكرانية، ستصبح أقرب إلى أميركا منها إلى الصين.
المؤرخة الأميركية آفيفا تشومسكي تحذر من تحويل الشرق الأوسط إلى "حلبة للمجانين"، لترى أن التعامل مع هذه المنطقة ذات الخلفيات اللاهوتية المترامية، ينبغي أن يكون بالقفازات الحريرية لا بالقفازات الحديدية التي تزيد الأزمة تعقيداً وقابلية للانفجار، ما يمكن أن يهدد المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة. هذا الرأي يتعارض مع رأي السفير المنوي تعيينه في اسرائيل مايك هاكابي، والذي شدد على الجراحة العسكرية لأزمة الشرق الأوسط، بعدما ظهر عدم جدوى الجراحة الديبلوماسية.
صحيفة "هاآرتس، وفي 16 كانون الأول، نقلت عن مسؤول كبير في الجيش الاسرائيلي الاستعداد لـ"مهمة كبرى"، ليضيف أن المهمة "قد تحظى بدعم ادارة الرئيس ترامب، خصوصاً انها تستهدف ايران".
الغرابة في كون اسرائيل على اصرارها بالتزام الخط الاسبارطي الذي يتداخل مع الخط التوراتي، تلك الأدمغة التي احترفت الاغتسال بالدم. لكن ترامب الذي يرفع شعار "أميركا العظمى" قال انه لا يريد تحقيق ذلك عبر الحروب. للتو صرح بنيامين نتنياهو "أخطط مع أصدقائنا الأميركيين لتوسيع نطاق اتفاقات إبراهيم. بذلك يتغير الشرق الأوسط بصورة أكثر جذرية". وحين نتبع تعليق أهل اليمين على ذلك، نلاحظ أنهم لا يريدون فقط سلام "إسرائيل الكبرى"، وإنما سلام "إسرائيل العظمى".
لعلكم قرأتم نهاية دونكيشوت مع طواحين الهواء. هنا دونكيشوت آخر مع طواحين الدم.