تحقيق الاستقرار في المنطقة عبر البوابة السوريَّة

آراء 2024/12/29
...

 فائق يزيدي 


تشهد منطقة الشرق الأوسط منذ أكثر من عام تطورات واحداث متسارعة، حيث اشعل الكيان الصهيوني حربين في المنطقة الاولى في غزة والثانية في لبنان ولا تزال آلة القتل والتدمير لهذا الكيان مستمرة في إبادة الشعبين الفلسطيني واللبناني، وفي خضم ذلك شهدت سوريا سقوط نظام بشار الأسد ووصول إحدى جماعات المعارضة المسلحة إلى دفة الحكم، بعد أن دخلت العاصمة السورية دمشق في يوم 8 كانون الاول 2024.

من ينظر إلى المشهد الراهن بكل تأكيد سينتابه الخوف من أن تنجر المنطقة إلى حرب شاملة وتشارك فيها أطراف ودول أخرى، فالغطرسة الصهيونية تحاول دائما جر الأطراف الأخرى حتى تعطي المبرر لما تقوم به في غزة ولبنان، فضلا عن احتلالها لأراض سورية في الجولان المحتل بعد سقوط نظام الأسد، لكن هذه المخاوف من اندلاع حرب شاملة تتبدد في ظل وجود مواقف لدول اقليمية كالعراق تعمل على تهدئة الاوضاع وتحقيق الاستقرار، عبر دعم غزة ولبنان وسوريا دبلوماسيا وتقديم المساعدات، والعمل مع دول المنطقة الأخرى في إطار سياسة تجنيب سوريا وغزة ولبنان المزيد من الولايات، وهذا الموقف العراقي لا يأتي عن عبث، فالعراق اليوم يمثل ثقلا في المنطقة من خلال استقراره السياسي والأمني بدرجة أولى، ومن ثم علاقاته مع المحيطين الاقليمي والدولي والتي يستثمرها في سبيل إيقاف الحرب في غزة ولبنان وتحقيق الاستقرار في سوريا دون أن تنجر إلى حرب أهلية بعد سقوط الأسد. 

مما لا شك فيه أن أمن سوريا هو أمن العراق كما أكد رئيس الوزراء الاتحادي محمد شياع السوداني، والمسؤولية الوطنية والانسانية تحتم على العراق الاستمرار في نهج تحقيق الاستقرار في سوريا دون التدخل في الشأن الداخلي لهذا البلد، ويتجلى ذلك في الزيارات المكوكية التي قام بها السيد السوداني منذ سقوط الاسد لعدد من دول المنطقة وبحث سبل وآليات تحقيق الاستقرار في سوريا، لان هذه مصلحة عليا لجميع دول المنطقة وليس العراق فحسب، واندلاع أي حرب أهلية في سوريا سينعكس بشكل أو آخر على العراق وباقي دول المنطقة، لذلك فإن الدور العراقي في تحقيق الاستقرار الاقليمي عبر البوابة السورية يجب أن يلقى دعما عربيا واقليميا ودوليا، والعراق يكاد يكون البلد الوحيد والانسب ليكون عامل استقرار في المنطقة برمتها فهو ذو نظام سياسي مستقر وقائم على الديمقراطية، كما انه ينتهج منذ سياسة معتدلة في تعاطيه مع الاحداث الخطرة التي تمر بها المنطقة، إضافة إلى أنه يملك الكثير من المقومات الأخرى التي تجعله قادرا على أن يضطلع بدوره هذا.

في ظل هذا المشهد وما يقوم به العراق من دور فاعل في المنطقة نسمع أصواتا تعمل على تخويف العراقيين وإثارة البلبلة، من خلال بث اخبار وتقارير غير صحيحة تشير إلى أن السيناريو السوري سيتكرر في العراق، وأن العراق الحلقة الأضعف وهو التالي بعد سوريا، وهذا كله طبعا محض افتراء واضغاث أحلام، فالعراق اتخذ الاجراءات اللازمة أمنيا وعسكريا على الحدود مع سوريا ولديه تحصينات كفيلة بمنع انتقال ما يجري في سوريا إلى اراضيه، كما انه قدم ورقة عراقية في اجتماع العقبة، الذي عقد بشأن التطورات في سوريا وتتضمن الورقة العراقية المبادئ الاساسية لاستقرار سوريا.

خلاصة الكلم أن الدولة العراقية اليوم في وضع يختلف عما كانت عليه في 2014 حين دخلت التنظيمات الارهابية إلى اراضيها واستباحتها، فالعراق عسكريا اليوم قادر على الدفاع عن أراضيه، وسياسيا أيضا في حالة تماسك تستند على النظام السياسي الديمقراطي، ودبلوماسيا يمتلك سلسلة من العلاقات الفعالة مع القوى والدول الفاعلة في المنطقة والعالم والتي ان تضافرت جهودها مع الجهود العراقية ستفضي إلى حالة من الاستقرار الدائم ليس في سوريا فحسب إنما في عموم المنطقة.