حمزة مصطفى
بدا مدير جهاز المخابرات الوطني حميد الشطري هادئا واثقا من نفسه، عندما التقى عند منتصف المسافة إلى قصر الشعب في دمشق مع أحمد الشرع "أبو محمد الجولاني" سابقا، ثم كانت المصافحة المثيرة التي لفتت الأنظار قبل أن يميل الشرع باتجاه الشطري لتقبيله. رسالة ثقة من المبعوث العراقي رفيع المستوى ورسالة اطمئنان من الشرع لضيفه بإتجاه السعي لفتح صفحة جديدة، بدلا من صفحة الماضي المملوءة بالمآسي والصعاب. الأمر لم يكن سهلا على القيادة العراقية، التي للجولاني معها تاريخ حافل كونه كان مرتبطا بالجماعات الإرهابية "القاعدة ومن ثم داعش" حيث انتهى به الأمر سجينا لنحو عشر سنوات داخل العراق. تحولات الجولاني الأخرى لسنا معنيين بها مثل خروجه من العراق بعد خلاف مع أبي بكر البغدادي ليؤسس في سوريا "جبهة النصرة" التي على إثرها بدأ بمراجعة مسيرته حتى ألغى النصرة ليؤسس هيئة تحرير الشام، التي دخل بها دمشق فاتحا بعد سقوط النظام السوري وهروب رئيسه بشار الأسد بليلة "ظلمة".
وعلى خلاف ما رأى البعض فإن العراق لم يكن مترددا في كيفية التعامل مع الحدث السوري، الذي فاجأ الجميع ولم يكن بوارد انتظار إملاءات من أحد. المضحك المبكي هو في الإملاءات نفسها. فأعداء أميركا قالوا إن العراق تأخر في التعامل المباشر مع الإدارة السورية الجديدة لأنه ينتظر ضوءًا أخضر إيراني، بينما أعداء إيران قالوا إنه ينتظر ضوء أخضر أميركي. النتيجة صفر ـ صفر بين أعداء الطرفين وطريقة فهمهم لكيفية تفكير القيادة العراقية. فالعراق الرسمي تعامل بثقة وهدوء مع الملف السوري الشائك أمنيا وسياسيا ودبلوماسيا. هذا التعامل أشاد به الجميع بمن في ذلك أعداء إيران وأصدقاء أميركا وأعداء أميركا وأصدقاء إيران.
ومع كثرة الوفود التي زارت دمشق وتعاملت مع أحمد الشرع وهي وفود من دول أجنبية وأولها أميركا ودول اوربية وعربية على مستوى وزراء خارجية، فإن الشرع كان ينتظر الزائر العراقي بفارغ الصبر. وحين حل الزائر العراقي حاملا الرسالة الرسمية، التي تمثل موقف الدولة بشخص رئيس الوزراء محمد شياع السوداني كان كل شيء مختلفا لدى الشرع، بدءا من طريقة الاستقبال المميزة من خارج بوابة القصر إلى وضع العلم العراقي إلى جانب العلم السوري. بعيدا عن كل نظريات المؤامرة فرض الحضور العراقي نقسه وأجبر القنوات الفضائية أن تعيد لقطات المصافحة في كل نشراتها الإخبارية مع تغطيات مباشرة ولافتة في الوقت نفسه.