ابراهيم العبادي
يستعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لزيارة سوريا الجديدة والصلاة في المسجد الاموي، الزيارة ستكون الأولى والأهم لزعيم إقليمي إلى سوريا بعد الإطاحة بنظام الأسد، وهي رسالة دعم وتبن ورعاية للنظام السياسي الجديد في دمشق.
تركيا أحد الرابحين الكبار مما حصل في سوريا، وهي نتيجة كبيرة لاستثمار مضى عليه 13 عاما، حيث تبنت تركيا وساندت بقوة المجموعات العسكرية السورية، التي عارضت نظام الاسد منذ عام 2011،واستقبلت 3 ملايين لاجئ سوريا وصارت الراعي الرسمي لمشروع الثورة السورية بوجهها المذهبي السني في قبال النظام، الذي كان متبنى ايرانيا وروسيا.
بسقوط نظام الاسد العلوي سجلت انقرة انتصارها على مشروعي ايران وروسيا، رفضت ايران الإقرار بالانكسار وتبعاته، واضطرب موقفها وتصريحات مسؤوليها وتصاعدت لهجتها الكلامية المضادة وقبلت الثانية الهزيمة، وبدأ بوتين يخطط لكيفية احتواء المشروع التركي الصاعد. عربيا، عبرت جماعات الاسلام السياسي السني عن ترحيبها بالتغيير الاستراتيجي الكبير، وانزاح عن كاهلها العبء، الذي ناءت به يوم كانت تغص بالمشروع الايراني، الذي جعل من سوريا حلقة الوصل لدعم محور المقاومة وهدفه المركزي مواجهة اسرائيل، ومواجهة المشروع الصهيوني هو المشترك الوحيد بين فصائل الاسلام السياسي السنية والهلال الشيعي، الذي وجد نفسه يوما يدافع عن نظام بشار الاسد امام جحافل اسلامية سورية -وعالمية دعمتها تركيا وجماعة الاخوان المسلمين بمسمياتها المتعددة علاوة على السلفيات الجهادية وجميع معارضي نظام الاسد من قوميين ووطنيين وعلمانيين.
المنطقة الآن أمام اندفاع المشروع التركي بمساحة تأييد شعبية عربية وغير عربية كبيرة، على خلفية التماثل المذهبي والمشروع السياسي عند البعض ونكاية بالمشروع الايراني عند البعض الآخر. سوريا خرجت من ثقل مشروع لتدخل تحت مظلة مشروع اثقل، لنسمي هذا المشروع باسم زعيمه أردوغان، فالنموذج الإسلامي الأردوغاني يتطابق مع المرحبين به والمندمجين مع أهدافه من زوايا متعددة، يتطابق مذهبيا وتاريخيا وتراثيا، ويثير بعض المخاوف والتحفظات، المشروع الأردوغاني يعيد لتركيا عمقها الاستراتيجي، بوصول حلفائها إلى السلطة في خاصرتها الرخوة (سوريا)، ويعيد المظلة التركية الإسلاموية، بوجهها المحدث وفقا للنموذج الأردوغاني، الذي يزاوج بين العلمانية والاسلام، والمرونة السياسية، التي ترضى بالتطبيع مع اسرائيل، نماذج الإسلام السياسي عربيا كلها فشلت من المغرب إلى تونس إلى ليبيا ومصر والسودان واليمن، وحده النموذج التركي نجح نجاحا باهرا وانطلق خارج حدود تركيا، ليصل إلى شمال أفريقيا وقرنها وصار ينافس روسيا في حديقتها الأمامية في القوقاز وآسيا الوسطى، ويضايق ايران في محيطها الجغرافي، بتراجع المشروع الايراني بقوة بعد نكبة 7 اكتوبر ومضاعفاتها، تجد تركيا أن مجالها الحيوي يتوسع بسهولة، عبر رمزية اسلامية كثيفة وطموحات امبراطورية عصرانية لا تشاكل النموذج الامبراطوري الذي اطيح به في الحرب العالمية الاولى. ستجد تركيا ما تبحث عنه خارج حدودها الجنوبية، ساحة للاستثمار ونظام سياسي ومجال حيوي وعمق استراتيجي، ولذلك هي تستعجل ترسيم الحدود البحرية مع سوريا، لأن عينها على الغاز المغمور في المياه الاقليمية، وهي مستعجلة للتخلص من الصداع القومي الكردي، فهي تضغط على الأكراد لتسليم السلاح والتراجع عن حلمهم القومي أو الدفن بالبلدوزر العسكري التركي الزاحف بقوة. ما يزعج تركيا هو مخاوف عدم الاستقرار في سوريا ورفض الاكراد التسليم للمطالب التركية ودعم الغرب شركاء تركيا في حلف الناتو للأكراد، وخوف العرب من تغول تركي يحي خطابات الاسلام الإخواني ومشروعه السياسي، السعودية والاردن ومصر والجزائر والامارات وتونس والعراق يعاينون بحذر ما يجري في سوريا، كما تسعى ايران وحلفاؤها إلى عدم التسليم بالمتغير الاستراتيجي في سوريا، فيما تستمر اسرائيل في تعظيم مكاسبها الاستراتيجية في المنطقة وهي تبدو غير قلقة من الاسلام الإخواني وجبهته الجديدة الممتدة جغرافيا من اسطنبول إلى دمشق، انظمة الحكم والجماعات الاخوانية ليست مثل منافستها الشيعية تستعجل الصراع مع اسرائيل، وتعلن بلا مواربة، الصلاة في القدس مذهبا سياسيا وستراتيجية عملانية حتى لو كانت الكلفة الموت المقدس والاكتفاء بالنصر المعنوي رغم التضحيات الجسام، الجماعات والحكومات الاسلامية السنية مستعدة للتطبيع مع اسرائيل دون تردد، لأن هدفها المركزي ليس الاصطدام بالمشروع الاسرائيلي أو الامريكي، بل تثبيت أركان الحكم والبناء الداخلي، أما تحرير القدس فمشروع لا عجلة فيه لأنه بلا مردود سياسي أو اقتصادي ولا حتى ايديولوجي. وبالحقيقة هو مشروع مؤجل يشذ عن ذلك حركات المقاومة الاسلامية الفلسطينية، لأنها معنية مباشرة بمشاغلة الاحتلال بسبب ضغوطه الهائلة. نحن في العراق الذي كان ولا يزال يعاني من ضغوط اندفاعات مشروعي دولتي الجوار الكبيرتين (تركيا وايران)،علينا الإعداد لاستراتيجية وطنية تحفظ للبلاد استقرارها ونماءها وأمنها وتقليص ارتدادات تنافس المشاريع الثلاثة (التركي والإيراني والإسرائيلي المتبنى امريكيا) إلى حدها الأدنى.