سقوط النظام السوري بين الحقيقة والوهم

آراء 2024/12/31
...

 محمد علي الحيدري


مع انكشاف الجرائم التي ارتكبها النظام السوري، ومع تسرب الوثائق والشهادات التي تروي فظائع تعذيب وقتل وتدمير بحق الشعب السوري وشعوب عربية أخرى، يُطرح تساؤل جوهري: ما الذي يدفع البعض إلى الأسف على سقوط نظام أثبتت الوقائع تورطه في إغراق بلده بالدماء؟

قد تبدو الإجابة معقدة، لكنها تتكشف حين نعيد قراءة المبررات المطروحة. فبين أوهام "الاستقرار"، ومزاعم "التوازن الإقليمي"، وشعارات "المقاومة"، يظهر أن الحنين إلى الماضي قد يضحي بذاكرة الشعوب لصالح سرديات تبرر استمرار الأنظمة القمعية.

الأسف على سقوط النظام السوري، كما يُبرره البعض، ينبع غالبا من حنين إلى "استقرار" زائف، استقرار بُني على الخوف والتسلط. كان النظام يُقدم نفسه كحامي البلاد، لكنه في الحقيقة قادها إلى هاوية القمع، وأحكم سيطرته على الشعب عبر سياسات الترويع وإلغاء الآخر. قد يكون البعض قد عاش حياة مستقرة ظاهرياً، لكن تحت هذا السطح كان الحراك الشعبي يغلي بصمت، مدفوعاً بالإحساس بالظلم والعجز عن التغيير.

إلى جانب ذلك، يبرز الحديث عن التوازن الإقليمي الذي كان النظام السوري جزءاً منه. هنا تظهر سوريا في نظر هؤلاء كقطعة شطرنج على رقعة إقليمية، حيث سقوط النظام يعني زعزعة محور من التحالفات التي كان يمثلها. لكن هذا الطرح يتغاضى عن حقيقة أن النظام، قبل سقوطه، أصبح عبئاً على داعميه الإقليميين والدوليين، يعتمد على الدعم الخارجي للبقاء، ويُضعف تماسك المنطقة بدل أن يعزز استقرارها.

أما الحجة الأكثر شيوعا، فهي تلك التي تختبئ خلف شعار "المقاومة". النظام السوري لطالما قدم نفسه كدرع حام للقضايا العربية الكبرى، لكنه في الوقت ذاته لم يتردد في قمع أبناء شعبه، وتدمير مدنه، وتهجير الملايين. هل يمكن لنظام يدعي الدفاع عن الأمة أن يكون مصدر ألمها الأكبر؟ هذه الازدواجية هي ما يجعل الحديث عن "الخسارة" في سقوطه موضع تساؤل أخلاقي قبل أن يكون سياسيا.

وبين هذه المبررات، يظهر الشبح الأكبر: الخوف من البديل. كثيرون يرون أن غياب نظام مستبد يفتح الباب أمام الفوضى، فيصبح القمع خيارا مفضلاً على المجهول. لكن هذه الحجة تغفل أن البديل ليس بالضرورة فوضى، بل فرصة. فرصة لتشكيل نظام جديد يعبر عن إرادة الشعب، ويبتعد عن إرث الدم والقهر الذي تركه النظام وراءه.

الأسف الحقيقي لا يجب أن يكون على سقوط النظام، بل على تأخر هذا السقوط. فالمأساة الكبرى تكمن في أن نظاما كهذا استطاع الاستمرار لعقود، وأن شعبا كاملًا دفع ثمن بقائه من دمائه وحريته وأمانه.

إن الحديث عن خسارة النظام السوري لا يمكن أن يُفصل عن حقيقة أنه كان كأي نظام بعثي آخر رمزا للقمع والانتهاكات. سقوطه، مهما بدا للبعض معقدا أو مثيرا للقلق، هو في جوهره إعلان عن نهاية فصل مظلم في تاريخ سوريا. والسؤال الذي يجب أن يُطرح ليس "لماذا سقط النظام؟" بل "كيف يمكن للشعب السوري أن يستعيد وطنه ويبني مستقبله بعيدا عن هذا الإرث؟".

في النهاية، الأسف على سقوط الأنظمة القمعية ليس إلا وهماً يستند إلى روايات لا تصمد أمام حقيقة التاريخ. فالسقوط ليس الخسارة، بل الخسارة هي بقاء الظلم متجذرا في روح الوطن. سوريا اليوم أمام تحدٍ جديد، ومسؤولية كبرى لإعادة بناء ما هدمته عقود من القمع والدمار. وما بين ركام الماضي وبذور المستقبل، يبقى الأمل أكبر من الأسف.