زهير كاظم عبود
رئيس الدولة أو الجمهورية يمثل سيادة البلد، ويحرص على ضمان الالتزام بالدستور، والدستور يشكل الهرم القانوني الذي تصاغ القوانين وفقا لنصوصه، وبعد كل هذا يشكل رئيس البلاد الرمز الوطني الذي يقود بلاده نحو السيادة والوحدة والسهر على تطبيق القوانين بأمانة. ويبقى الرئيس بعد أن يتم انتخابه من مجالس الشعب أو البرلمانات أو مجالس الامة أو مجالس النواب، وفي أحيان أخرى يتم فرضه بانقلاب عسكري أو غير عسكري، وفي أحيان أخرى يجري توريثه الحكم بدلا عن والده أو شقيقه، وفي كل تلك الحالات يبقى الرئيس على كرسي الرئاسة مدة أربع سنوات ويمكن تمديدها لأربع سنوات أخرى، وفي بلداننا العربية ولما يلمسه المواطن العربي من قدرات غير طبيعية في شخص الرئيس فيتم التمسك به رئيسا للبلاد بشكل مطلق، للاستفادة من قيادته وحكمته وقدراته وضلاعته في فن القيادة، وفي أحيان أخرى يجد الحاكم نفسه أقدر شخص على قيادة هذه الأمة، وأن اختياره وفقا لقدرات غيبية لا تتوفر عند غيره . إلا أن سوء الحظ كثيرا ما يصادف عدد من الرؤساء العرب، فيرفض تسليم السلطة إلى رئيس بديل عنه، أو أن يقتنع بالاتفاق مع قائد آخر ليحل محله، فيلجأ إلى الهروب من الرئاسة ومن الشعب إلى وجهات لا يفصح عنها إلا بعد أن يصل إلى بر الأمان فيها. ولعل أحدث عملية هروب لرئيس جمهورية حققها بشار الأسد رئيس سوريا الذي هرب بتاريخ 9 / 12 / 2024 ، بعد تعرض الحكم إلى أسرع عملية توغل واقتحام، صاحب ذلك انشغال الأسد وعدم اهتمامه بما يحصل في البلاد، والالتفات إلى ترتيب عملية هروبه وعائلته من دمشق إلى موسكو، حيث حصل على اللجوء الإنساني، ومن الطريف أن بشار الأسد أمينا عاما لحزب يحكم البلاد باسمه.
ويليه بالهروب صدام حسين بتاريخ 13 نيسان 2003، حيث ترك قوات الاحتلال تدخل بغداد فارا بجلده، مختبئا في جحر لا يليق بالأرانب، وتم العثور عليه والقبض عليه وهو لم يزل يرسل الخطابات الثورية عبر قناة فضائية تعاطفت معه، وألقي القبض عليه دون مقاومة، ومن الطريف أن يكون صدام أمينا عاما لحزب يحكم البلاد باسمه.
ويأتي هروب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي في المرتبة الثالثة، ونتيجة لتراكم ملفات الفساد، والغليان الشعبي والفقر في تونس، تمكن الرئيس زين العابدين بمصاحبة زوجته السيدة ليلى الطرابلسي من الإفلات من حكم المحاكم التونسية والوصول إلى المملكة العربية السعودية بتاريخ 14 /1 /2011، حيث حصل على اللجوء الإنساني وبقي فيها حتى توفي تاركا ما اخذ من أموال لزوجته.
ويأتي الرئيس معمر القذافي في المرتبة الرابعة، حيث هرب من العاصمة طرابلس يوم 20 أكتوبر/ تشرين الاول 2011 يريد أن ينقذ رأسه من قبضة الثوار الليبيين، فتم العثور عليه مختبأ في أنابيب كونكريتية، وتم القبض عليه دون مقاومة، توسل الثوار حتى يبقوه على قيد الحياة والصفح عنه، فلم يستمع لتوسلاته أحد، وتوفي متأثرا بجراحاته.
أما المرتبة الخامسة فهي من حصة الرئيس الهارب علي عبدالله صالح رئيس اليمن، والذي انتهى هاربا يوم 4 /12 /2014 بعد أن سقطت العاصمة صنعاء بيد الثوار الحوثيين، وبعد أن نفدت كل مقاومة، ركب سيارة بيك آب محاولا الفرار بها واللجوء إلى بيته، إلا أن الثوار عاجلوه بصليات من بنادقهم أردته قتيلا قبل أن يفر من العاصمة.
وستبقى ظاهرة هروب الرئيس العربي لازمة مع عدم تفهم الحاكم لمعنى الوظيفة العامة، واعتقاده بان المنصب يشكل هبة ربانية، وان ما يمتلك من مواصفات وشروط اختارته ليكون رئيسا للجمهورية ليست وظيفة من وظائف السلطة التنفيذية، وأن بإمكان الحاكم العربي أن يتجاوز القوانين ويعبر أحيانا على الدستور بميانة. والمشكلة التي يعاني منها مجتمعنا العربي عبادة الشخصية التي ابتلينا بها، دون أن يعر المواطن أن كل المراكز والمهام الموكولة في الدولة هي ضمن وظائف السلطة التنفيذية، وأن الرئيس أو غيره موظف يخضع لقانون الخدمة المدنية، ليس له إلا الصلاحيات التي حددها القانون والدستور، وهو ليس حاكما مطلقا ولا ملكا، وأن الرئيس مسؤول أمام مجلس النواب وأمام الشعب في أدائه المهمات التي تم تكليفه به، وأن اختيار رئيس للبلاد يمثل أمانة ومهمة كبيرة يضعها المجتمع على عاتقه، وأن تتوفر في شخصيته معايير النزاهة ورصانة الشخصية والثقافة العامة ومحبة الشعب والقدرة على القيادة، وان يكون أمينا وحريصا على تطبيق نصوص الدستور.