الجيش العراقي.. عيد التأسيس والبطولات

آراء 2025/01/05
...

 د. صادق كاظم 


ارتبط تاريخ تأسيس الجيش العراقي كأحد متطلبات ظهور الدولة العراقية الحديثة كنتيجة مثمرة وطبيعية لتأسيس العراق كدولة مستقلة في منطقة الشرق الاوسط ورعاية الملك فيصل الاول. هذا التأسيس بنفسه من أجل ترسيخ وجود العراق كدولة قوية في المنطقة تحرسها قوات مسلحة كفوءة في ظل وجود تحديات كانت تواجهها الدولة الناشئة في ذلك الوقت، والتي كان من بينها التهديدات التركية ومطالباتها بضم بعض المناطق العراقية اليها، وكذلك الخلاف الحدودي المزمن مع الدولة الايرانية، فضلا عن وجود مطالب انفصالية لبعض الأقليات والتي كانت تهدد بمنع انضمام العراق إلى عصبة الأمم. هذا البناء المؤسسي للجيش العراقي ورغبة المؤسسة الحاكمة في توظيفه لصالح رؤيتها واجنداتها محليا وخارجيا لم يحل دون تبلور وعي وطني كان يرغب في انعتاق العراق من الوصاية الاستعمارية البريطانية واستقلال العراق وحصوله على السيادة الكاملة، بالرغم من تدخلات السياسيين في العهد الملكي وقيامهم باستخدامهم القوات المسلحة أداة في مجال حل النزاعات والصراعات فيما بينهم، وهو ما تمثل في انقلاب الجنرال بكر صدقي في العام 1936 الذي يعد أول انقلاب عسكري في المنطقة وبداية لتدخل عسكري واسع في امور السياسة. كانت انتفاضة مايس من العام 1941 أول تصادم حقيقي للقوات العراقية المسلحة مع البريطانيين ورغبة حقيقية في نيل الاستقلال وانهاء الاستعمار البريطاني الجاثم على العراق منذ العام 1914، لكن هذه الانتفاضة لم يكتب لها النجاح بسبب اختلال موازين القوى وقتها وبفارق كبير بين الجيشين العراقي والبريطاني، اضافة إلى الاخطاء التي ارتكبها قادة الانتفاضة والتي ادت إلى فشلها. لم يمنع انجاز الجيش لمهمته الوطنية من القيام بواجبه العربي والاسلامي في التصدي للعصابات الصهيونية الاجرامية، خلال محاولتها الاستيلاء على الارض الفلسطينية بالكامل والعدوان على البلدان العربية فكان له صولات وبطولات في التصدي لعدوان تلك العصابات والمحافظة على المناطق التي أوكلت لها فيها مهمة الدفاع عنها. اذ كان السجل البطولي لحروب 1948 و1967 و1973 ناصعا ومليئا بصفحات زاهرة من ملاحم قتالية اعترف بها الكيان نفسه. لقد كان لوصول الطاغية صدام إلى السلطة بعد انقلاب تموز بداية الخراب والدمار الذي لحق بالعراق، والذي لم تسلم بدوره مؤسسة الجيش من اثارها وسلبياتها، حيث تم الزج بالجيش رغما عن قياداته وجنوده في حروب عبثية عرضت أمن البلاد الاستراتيجي إلى خطر الاحتلالات والازمات التي لم تتوقف حتى سقوط النظام في العام 2003. كانت مهمة اعادة بناء القوات المسلحة وفق نهج جديد يقوم على حماية البلاد وشعبها من الاخطار والتحديات مع الاحتفاظ بالاستقلال الداخلي والمهني والابتعاد عن التدخل في شؤون البلاد السياسية من المهام التي تم ترسيخها في النظام السياسي الجديد التي سارت على نهجها القوات المسلحة والتي واجهت تحديات الارهاب التكفيري الظلامي الذي تعرضت له البلاد، عبر اعمال الارهاب والتفجير بالمفخخات واستهداف المدنيين الامنين في مناطقهم السكنية واماكن عباداتهم ومدارسهم واسواقهم ضمن موجة خطيرة لم تعرف لها البلاد مثيلا من قبل. لقد قدمت القوات المسلحة بصنوفها كافة التضحيات من اجل صيانة الاستقلال الوطني وردع العصابات الاجرامية التكفيرية فكانت ملاحم التحرير الكبرى التي جرت في محافظات الانبار وصلاح الدين والموصل والتي اسهم فيها الابطال من منتسبي القوات المسلحة من خلال معارك التحرير التي امتازت بالشراسة والقتال البطولي وفق صفحات قتالية متداخلة انجز فيها ابطال الجيش من صنوف المشاة والمدفعية والقوات الخاصة والمدرعة المهام، التي أوكلت لها وانجاز الاهداف التي شرعت بتطهيرها من دنس الارهاب بالتعاون مع قوات الحشد الشعبي الابطال. إن الجيش العراقي اليوم اذ يكمل عامه الرابع بعد المئة فإنه بات جيشا مرموقا يحتل اعلى مستويات التصنيف العالمي للجيوش من حيث القدرة والكفاءة والجهوزية وانجاز مهام الدفاع عن البلاد ومطاردة وملاحقة عصابات الاجرام والتكفير، فضلا عن البناء المنهجي المتطور لصنوفه وافراده مع الحرص على تزويده بأحدث المعدات القتالية المتطورة لغرض تمكينه من ادامة انجازاته وواجباته.