رقعة التيه في المجتمع العراقي

آراء 2025/01/07
...

 سعد العبيدي 


ظل العراقيون، أفرادًا وجماعات، يعيشون عبر عدة عقود مضت في حالة من الغموض شبه المستمر بشأن الأهداف العليا للحياة والقيم، وهي حالة يمكن وصفها بالتيه، وفي سياقها لو أجرى باحث منصف استبيانًا لتوجهات الأفراد في هذا المجتمع العراقي لعام 2025، وهو عام يُفترض أن تتوفر فيه معرفة أوسع لدى الناس لتحديد مساراتهم وأهدافهم، وسأل في سياق استبيانه طلابًا وطالبات في الصف السادس الإعدادي عن وجهتهم الدراسية بعد نجاحهم من المرحلة الإعدادية، سيجد نسبة ليست قليلة منهم يجيبون أنهم لا يدرون. وفي حال طرحه السؤال مشابهًا على مواطن عادي في وقت الانتخابات، يتعلق باختياره الانتخابي أو من سينتخب من الأحزاب والكتل والأفراد، فستكون الإجابة عند نسب ملموسة وفي أحيان ليست قليلة أنهم لا يدرون... حالة تتجلى بشكل أعمق في المشهد السياسي، حيث نجد أحزابًا يسارية على سبيل المثال عقدت تحالفات انتخابية مع كتل يمينية مؤدلجة، عند سؤالها عن دوافع هذا التناقض الواضح مع القيم والمبادئ التي يدعي الطرفان تمثيلها، سنجد وعلى الرغم من محاولات تقديم التبريرات، أن الإجابة الضمنية تبقى في الغالب أنهم لا يدرون. مما يؤكد وجود قدر من التيه في نهج التفكير والسلوك المجتمعي يعكس نوعًا من الضياع الجماعي أو الفردي، يقترب كم وجوده من أن يكون جزءًا مألوفًا من ثقافة المجتمع العراقي، يدفع إلى القول إن استمرار هذا الكم يعد خطيرًا على حاضر البلاد ومستقبلها لأن استمرار وجوده في ثقافة المجتمع سيؤدي إلى احتمال تخبط القرارات، وعدم وضوح الرؤية، وغياب الشعور بالاتجاه، وسيؤدي حتمًا إلى أزمة مجتمعية ونفسية. والقول أيضًا إن المجتمع الذي تتسع في ربوعه رقعة التيه يمكن تشبيهه برجل شاخ وهزل جسمه وضعفت ذاكرته وكثرت أوجاعه، حتى بات يكرر القول: "لا أدري ما بيَّ". تشبيه لا بدَّ من السعي للحيلولة دون وصول المجتمع إلى حالته من خلال حشد الجهد السياسي والحكومي لإعادة بناء الهوية المجتمعية وتحقيق وضوح الرؤية المستقبلية، وإعادة ترسيخ القيم الأصيلة وتعزيز الوعي الجماعي، بما يمكِنْ المجتمع من تجاوز الحالة والانطلاق إلى مستقبل أكثر وضوحًا.