يعقوب يوسف جبر
لسنا بعيدين عن مجريات تاريخ الحروب الكبرى والصغرى وعن خلفياتها والأسباب التي أدت إلى نشوبها، فالسبب الأساسي اقتصادي، ناهيك عن الأسباب الأخرى العقائدية أو السياسية التي تكمن في نشوبها. فما جرى وما يجري وما سوف يجري بالتحديد في منطقة الشرق الأوسط من حروب تعود أسبابها إلى عوامل اقتصادية وما يتبعها من عوامل الهيمنة على مقدرات هذه المنطقة وثرواتها الاستراتيجية. فلعاب الدول الكبرى لا يزال يسيل على ثرواتها ومواردها وتعكف على استخدام مختلف الوسائل لبسط نفوذها. فمن ضمن الوسائل التي توظفها الدول الكبرى هي اثارة الحروب الاهلية المذهبية بين طوائف شعوب هذه المنطقة لمنعها من أن تستعيد تقاربها في ما بينها. أو تتوحد في ما بينها لتتحول إلى قوة سياسية واقتصادية عملاقة تجهض مشروع التوسع، الذي بدأ بعد الحرب العالمية الاولى ثم تتوج باتفاقية سايكس بيكو.
لكن ما هو المشروع الجديد لإدامة الهيمنة على المنطقة؟ تحاول الدول الكبرى وتسعى لتقاسم النفوذ في هذه المنطقة من جديد وبطرق واساليب جديدة. فما حدث في سوريا مؤخرا يعكس هذا المسعى الخبيث. والهدف منه حماية الهيمنة على موارد دول المنطقة كالنفط والغاز. وايجاد طرق جديدة لتصديرهما إلى أوربا، وسط قلق روسيا والصين ودول اخرى من هذا التوجه. من زاوية مختلفة لا ننسى الكيان الصهيوني والدور الكبير في إنجاح هذا المشروع، باعتباره امتدادا لمشروع الولايات المتحدة الأمريكية.
إن تمتع منطقة الشرق الاوسط باحتياطي استراتيجي ضخم من ثروات الطاقة كالنفط والغاز يجعلها محط اطماع الدول الكبرى، التي تعمل دائما على بسط الهيمنة على مقدراتها بمختلف الوسائل منها اثارة النعرات الطائفية، التي تتمسك بها شعوبها دون أن تعيد هذه الشعوب النظر في هذا التوجه السلبي وتعمل على اجتنابه وايجاد أواصر التقارب فيما بينها، وخلق مصيرها بنفسها والتحكم بمقدراتها دون السماح للدول الكبرى بالتدخل في شؤونها. فهل ستبادر هذه الشعوب إلى اتخاذ هذا الموقف الحازم؟ وهل ستسمح الدول الكبرى لها بالتحرر من ربقتها؟ لكن هل من السهل ان تتخلى هذه الدول عن سياسات الهيمنة؟ من الصعب تصور ذلك، فهذه الدول تعكف على ادامة سيطرتها على هذه المنطقة التي تملك موارد طبيعية ضخمة. اضافة إلى ذلك فإن الدول الكبرى تتنازع في ما بينها للحفاظ على مصالحها متقاسمة نفوذها في المنطقة. ولن تبالي مطلقا بما جرى وما زال يجري لهذه الشعوب النامية من تدمير وتفكك وتشريد وابادة مادام ذلك يخدم مصالحها. ويضمن لها الهيمنة المستمرة دائما على منابع الطاقة فيها.