د. حامد رحيم جناني
إجراء طال انتظاره، التعداد العام للسكان، هذا الاجراء الاحصائي المهم بالنسبة للدول التي تصبو لتحقيق التنمية، كونه يحقق قاعدة معلومات عن تفاصيل المجتمع وقدرات الدولة في مختلف المجالات الامر الذي يمكن المخطط من إيجاد السبل عبر التخطيط الرصين لتحقيق النهضة التنموية للدولة الشاملة، ابتداءً من تنويع النشاط الاقتصادي وانتهاءً بتحقيق التنافسية الاقتصادية، مروراً بالتعليم والصحة والاستدامة وغيرها. لاحظ المراقب في الاجراء الأخير للحكومة أن خطوات التعداد كانت شاملة لمحاور بالإضافة لتعداد السكان كانت المساكن والعمل والأثاث وغيرها حاضرة، الأمر الذي يمنح الإدارة العليا في العراق تصوراً عن جوانب عديدة تمنحها القدرة على التخطيط لإحداث التغيير المنشود.
وعند هذه المعطيات سيقتصر التحليل على مستوى التخطيط من جانب الفقر فقط، ولا يشمل العوامل الموضوعية الشاملة التي تحكم نجاح الخطط والقدرة التنفيذ وغيرها. وفق مؤشر الفقر (البسيط) الذي حدده البنك الدولي للإنشاء والتعمير المتمثل باستهلاك الفرد ما قيمته (2،15) دولار فما دون في اليوم الواحد، باعتبار سنة 2017 سنة أساس، فان نسبة الفقر في العراق بلغت (21،5%) حسب وزارة التخطيط بمعنى قرابة عشرة ملايين عراقي هم تحت خط الفقر، الامر الذي يشكل نسبة كبيرة بلحاظ حجم الموارد والإمكانات المتاحة في الاقتصاد العراقي. وفي ظل الحداثة في المعالجات التنموية، فقد ظهر ما يعرف (بمؤشر الفقر المتعدد)، الذي يعالج قضايا تفوق ما يعالجه المؤشر التقليدي سالف الذكر، فالقضية لا تقتصر عند المؤشر المتعدد باستهلاك الغذاء فقط، بل تعدت لأمور أخرى مثل السكن اللائق وخدمات الصرف الصحي والحصول على الطاقة الكهربائية والوقود والحصول على خدمات التعليم وخدمات النقل وغيرها، وهذه الشمولية في المؤشر تتماشى مع حقوق الانسان في العيش الكريم على ضوء التطورات الحاصلة في معيشة الشعوب. وعند هذا الحد يمكن أن نشير إلى أن اعتماد هذا المؤشر رسميا في العراق سيقود حتما إلى اتساع رقعة الفقر وستفوق النسبة ما ذكرته وزارة التخطيط في إحصاءاتها الرسمية، ورغم ذلك فإننا أمام فرصة متاحة مثلتها الخطوة الأخيرة المتمثلة بالتعداد العام للسكان للتحول نحو اعتماد هذا المؤشر ومواجهة التحديات الكبيرة لمعالجة كل تلك المحاور، التي تضمنها مؤشر الفقر المتعدد بالاعتماد على بيانات التعداد وإيجاد الخطط الرصينة لمعالجة ازمة السكن والطاقة والنقل والتعليم وغيرها، واعتبار ذلك مهمة تنموية وطنية واستثمار الموارد الاقتصادية المتاحة لهذا الغرض.
إن التنمية الاقتصادية في جوهرها هي ثورة اقتصادية شاملة تحمل في طياتها تحديا كبيرا يحتاج إرادة سياسية وفاعلية في التطبيق مشفوعة بالمنظور الاستراتيجي، ولا يمكن أن تتحقق في ظل التراخي وعدم امتلاك الشجاعة في المواجهة، فبغض النظر عن الواقع وتجاذباته لا بد من الإشارة إلى المشكلات والخوض في المعالجة مهما كانت النتائج والاثار الانية في الأمد القصير.
إن الاعتراف بالمشكلة ومواجهتها هي بوابة التنمية الاقتصادية، اذن هي دعوة لتبني مؤشر الفقر المتعدد رسمياً في العراق بدل المؤشر البسيط.