د. أثير ناظم الجاسور
قُبيل احتلال العراق عام 2003 كانت الولايات المتحدة قد عدت خطة مرسومة من قبل المحافظين الجدد ومراكز تفكيرها والمركب الصناعي العسكري الامريكي، لضبط إيقاع المنطقة والتي تبدأ بتغيير انظمتها وفق ما تراه هي على أنها تحاول إنتاج نماذج للدول المستقرة والباعثة للاستقرار بشكل عام، كان النظام السوري ضمن هذه النماذج بعد أن تم تصنيفه وفق محور الشر والمُهدد لأمن واستقرار المنطقة، بالمقابل حذر النظام آنذاك من نتائج هذا الاحتلال وآثاره على المنطقة ودولها، النظام السوري في هذا المنعطف التاريخي لم يتعامل مع الحدث، وفق قنوات سياسية دبلوماسية حتى لا يكون هو النموذج التالي، لا بل حاول مع أطراف اقليمية اخرى عرقلة النموذج المُصرح بإنشائه وفق سياقات غير عقلانية وغير منطقية ساعدت على أن يكون العراق ساحة للاقتتال الطائفي، بالمقابل أيضا ساعدت الولايات المتحدة على أن يكون العراق هذه الساحة لتصفية الحسابات مع الخصوم، لم يكتف نظام الأسد بالمعارضة وقطع العلاقات وعدم الاعتراف وفق السياقات السياسية المتعارف عليها، لا بل ساعد على انشاء معسكرات للمقاتلين المتطرفين للتدريب والتجهيز والتسليح وإرسالهم للعراق لضرب هذا النموذج المجاور، وشهد العالم أجمع ما نتج عن هذا الفعل بالعراق والمنطقة، وبشهادة الساسة العراقيين والقيادات العسكرية الامريكية، لا بل تعاظم دور هذه الجماعات المتطرفة، لتُشكل خلايا إرهابية تقتل على الهوية وكل من يخالفها التوجه ضمن سياقها الفكري وفلسفتها لتفسير الدين.
السؤال هنا ما قدرة استثمار الأسد لهذه الجماعات؟ الجواب صفر دون فائدة تُذكر لأن المشاهد التاريخية تؤكد أن هذه الجماعات لا أمان لها فهي تعمل وفق حركة دائرية يتم من خلالها حساب التوجه وتطوره مع تطور الآليات والادوات، وذلك التحول بين الأهداف والغايات هو ناتج عن تطور اجيالها التي تُطور اساليب العنف بالدرجة الأساس، فما حصل في افغانستان ١٩٧٩ والدعم الامريكي لقاتلوا الحرية انتج تنظيمين الاول طالبان والثاني القاعدة كل منهما تحرك وفق مدركات ومنهجية فكرية التقيا بالنهاية بين حكم وذراع مسلح، وما أنتجه الأسد اليوم بعد سياسات فاشلة وغير مدروسة تنظيمات استطاعت أن تستغل الظرف والحدث في بلورة مشروعها المدعوم من الغرب لإنشاء نظام محركاته، ستظل غير متوازنة لفقدان عامل الثقة بتحركات هذا النظام من قبل الآخرين، وبالرغم من تحول الخطاب السياسي للنظام السوري الجديد إلا أن مدخلاته لا تزال تعمل على قياس ردود الفعل الداخلية والتي قد تكون غير منضبطة وهذا امر طبيعي اما التوجهات الخارجية ستكون بالضرورة مدروسة وفق متبنيات وتوجهات الداعم والمُساند، لكن غير الطبيعي في هذه المعادلة إن سوريا محتلة الآن من قبل الكيان الاسرائيلي ليس لكون الأسد كان صمام الأمان فهو بالمحصلة لم يكن يمتلك القدرة على التحرك صوب الجولان، لكن ما يحدث اليوم مؤشر حتى وإن لم يكن صحيحاً لكن لا تفسير له على أرض الواقع سوى أن الجماعات التي أسقطت الاسد لم ولن تعمل على بناء سياسة سورية مستقلة، وما هي إلا مرحلة لترتيب أوراق اللعب في المنطقة.
هناك قضية أخرى بحاجة إلى قراءة هي حرص الولايات المتحدة على التهدئة في هذه المرحلة ومساندة الإدارة السورية ورفع الأشخاص، وبعض التنظيمات من قائمة الارهاب، وقد يقفز سؤال حول ما هو المحرك الأساس الذي جعل منها (أمريكا) أن تعطي الأمان للجماعات في سوريا وتتعامل معها وفق تقنيات التعامل مع الأنظمة المستقرة، علما انها اكتوت بعيدا عن كل التفسيرات والاحتمالات من الجماعات التي صنعتها والتفت عليها وأنتجت أحداث 11 سبتمبر 2001. الوضع هنا يوضع بين هلالين يتحدث عن حقيقة صفحة جديدة من عمر نظام لا بد أن يتأسس على عدم الثقة بين دول المنطقة خصوصا وهي ساعدت على تقطيع مشروع معاداة الكيان الإسرائيلي وأضعفت الجبهات مما يُتيح للكيان التحرك صوب الأهداف الأهم على الخارطة السورية، تحديداً التي قد تكون الحد الجغرافي الاستراتيجي الذي ستنطلق منه المخططات القادمة المتمثلة بصناعة نظام طيع يتماشى والمخططات هذه، لكن هذا لا يمنع من أن هذه الجماعات ستعمل على تعزيز مكانتها في المنطقة من خلال سياسة مختلفة سواء بإطارها السياسي، الذي تحاول تصديره اليوم أو من خلال الاطار الفكري المتجدد وفق تجدد المرحلة والجيل كبداية ومن ثم ستتوجه لتصفية حساباتها مع كل من يعارضها فكرياً وسياسياً، وسنرى الحديث يتغير حول وحدة سوريا واستقرارها بقدر ما سيتم التأكيد على ضرورة وضع خارطة أمنية جديدة للمنطقة والتحضير للتبدلات والتغييرات الحاصلة ستلقي بظلالها على إجراءات وسلوك الولايات المتحدة ودول المنطقة.