محمد علي الحيدري
مع الانزياح التدريجي للسلطة في سوريا وتبدل المشهد السياسي بعد مرحلة الأسد، يبرز التساؤل الأهم حول مصير الحوار الوطني السوري وكيفية معالجة التحديات التي يعترضها. فقد كان الصراع السوري قد شهد صعوداً وهبوطاً في العديد من جولات المحادثات السياسية في السابق، إلا أن مرحلة ما بعد الأسد تفتح أفقاً جديداً يتطلب مقاربات مغايرة وفهماً أعمق للمتغيرات الجيوسياسية والاجتماعية. وفي هذه المرحلة الجديدة، يتداخل واقعان حاسمان:
الأول هو الفضاء السياسي الذي أصبح أكثر تشعُّباً وتعدداً مع التغيرات التي طرأت على التوازنات الداخلية، والثاني هو الاستحقاقات الخارجية التي تفرضها القوى الإقليمية والدولية التي كانت وما زالت تشارك في الصراع بشكل غير مباشر أو
مباشر.
إن مسألة الحوار الوطني بعد الأسد لا تقتصر على مجرد معالجة النظام الجديد في سوريا، بل تنطوي على إعادة تشكيل العلاقات بين الأطراف المختلفة التي تتوزع بين قوى معارضة، من فصائل مسلحة، وأخرى سياسية ومجتمعية، بالإضافة إلى أطراف التدخلات الأجنبية.
من المهم أن نأخذ في الاعتبار حقيقة أن بعض الفصائل المسلحة التي كانت على رأس المعارضة في السنوات الأخيرة تمثل إحدى أبرز النقاط الرمادية في أي عملية حوارية. فبينما تسعى هذه الفصائل لفرض نفسها كممثل أساسي للمعارضة في مناطقها، هناك شكوك حول نواياها في المشاركة الجادة في عملية سياسية تأخذ بعين الاعتبار مصالح الجميع. وكثيراً ما تطرح هذه الفصائل نفسها كمؤسسات قادرة على قيادة مرحلة ما بعد الأسد في مناطقها، إلا أن تصرفاتها على الأرض، التي تشمل فرض سيطرة قمعية على السكان المحليين ورفضها غالباً فتح قنوات حوار مع القوى السياسية الأخرى، تثير العديد من التساؤلات حول مدى التزامها بمبادئ الشفافية
والمصالحة.
وإذا نظرنا إلى سياق المرحلة الحالية، فإن مواقف بعض الفصائل تطرح أكثر من علامة استفهام حول نواياها الحقيقية. فالحركات السياسية التي تدّعي تمثيل الشعب السوري وتطالب بحصَّة في عملية الحوار يجب أن تتحلى بمصداقية حقيقية في نواياها، وهو ما يفتقده الكثير من الفصائل التي تكتفي بالشعارات الرنانة من دون أن تقدم أدلة ملموسة على رغبتها في إحداث تحولات جذرية، سواء من خلال التخلّي عن الأساليب العسكرية أو المشاركة في بناء نظام سياسي
شامل.
ومع غياب القواعد الواضحة للحوار الوطني حتى الآن وغياب الشفافية في تعامل هذه الفصائل مع هذه القضايا، فضلاً عن غياب أو تغييب للقوى العلمانية ، من المحتمل أن تكون المرحلة الجديدة مجرد فرصة لتحسين وضع الفصائل على الأرض أو تكريس وضع جديد يمكن أن يعيد إنتاج الديكتاتوريات المحلية تحت غطاء شعارات التغيير.
هذا الواقع يعكس الصورة المقلقة التي قد تفضي إلى تحويل سورية إلى مجموعة من الجيوب المتناحرة التي لا ترتقي لتكون قاعدة لعملية سياسية حقيقية وهو ما لا نتمناه.
في ظل هذه الظروف، يصبح من الصعب الجزم بما إذا كان الحوار الوطني بعد الأسد سيسفر عن توافق فعلي يعيد بناء الثقة بين أطراف المجتمع السوري، أو أن يكون مجرد محاولة لتكريس مصالح فصائل معينة على حساب التطلعات الوطنية الحقيقية.