سعد العبيدي
منذ بداية سبعينيات القرن الماضي، شهد لبنان تدخلًا مباشرًا وواسعًا من بعض الدول العربية في شؤونه الداخلية، وهو ما أدى إلى تغيير معادلة السياسة اللبنانية وتذبذبها. قبل الساسة اللبنانيون المخضرمون هذا التدخل، وأنشأ بعضهم تنظيمات مسلحة للاستقواء بها في صراعه السياسي مع الغير وزيادة حصته من غنائم حرب أهلية تصب قسم من الدول العربية وغير العربية الزيت فوق نارها المشتعلة، فتكون واقعا معقدا جعل اللبنانيين أسرى قرارات تتأثر بالتدخلات الخارجية، التي امتدت بالتدريج وتوسعت لتشمل دولًا غربية، مما زاد من تعقيد المشهد السياسي والاجتماعي اللبناني. وكانت أبرز تجليات هذا التعقيد قد ظهرت في انتخاب الرئيس اللبناني العماد جوزيف عون في ٩ كانون الثاني لهذا العام ٢٠٢٥، بعد أن ظل منصب الرئيس الأهم في لبنان شاغرًا لما يقارب العامين بسبب تجذر الخلافات وتضارب المصالح ومساعي الخارج للسيطرة ومد النفوذ، أزمة وكأنها انتهت في غضون شهرين لكنها فتحت الباب للتساؤل عن مقدار التأثير الفاعل لقوى الخارج في الانتخاب وفي القرارات السيادية المطلوب اتخاذها من لبنان بشكل عام والرئيس على وجه التحديد؟ ومع هذا فإن الانتخاب الذي تم في مرحلة زمنية حساسة، ما زال لبنان يعاني فيها من آثار الحرب مع إسرائيل، وأزمات اقتصادية واجتماعية خانقة، تعد خطوة في الاتجاه الصحيح من جهة، ومن جهة أخرى سيجد الرئيس نفسه مقيدًا في اتخاذ العديد من القرارات السيادية، ومن جهة ثالثة ستقدم إلى اللبنانيين فرصة لإعادة تقيم تجربتهم في قبول التدخل الخارجي في شؤونهم والاعتماد على الخارج في اتخاذ القرارات المصيرية، وفرصة للنظر في إمكانية التخلص من أزمة تعود جذورها لعقود مضت، أخلت بقيمهم والحياة اللبنانية الفريدة وأضعفت البنية السياسية والاقتصادية للدولة اللبنانية وجعلتها أقرب إلى الفاشلة بكل المعايير. وعلى وجه العموم فإن مسألة استعادة القرار الوطني المستقل بعد تكبيل لعدة عقود صعبة، وإعادة بناء الدولة بعيدًا عن التأثيرات الخارجية، كذلك صعبة، لكنها ممكنة في حال إقامة حوارات وطنية صادقة وتقديم رؤية لبنانية خالصة، ورفض التدخل الخارجي أي كان، وبعكسها ستبقى لبنان سفينة تعطلت محاركها وسط بحر هائج.