أ.د. عامر حسن فياض
لن تحظى الدولة ولا السياسة بالأهمية الملائمة في نظر الخضر بوصفهم حركة للدفاع عن البيئة. فعندهم الدولة مثل (قذارة المكنسة)، وهي عصية على الإصلاح وإنها المشكلة وليست جزءا من المشكلة لذلك، فإن الدولة في البداية عند الخضر لم تلقَ اهتماماً جلياً لان الوحدة السياسية عندهم كانت تتمثل بـ (مجتمع الأرض) وليست الدولة، وإن البشر على وفي هذا المجتمع ينبغي عدم النظر إليهم على أنهم (مواطنون).
لقد ظهرت حركة الدفاع عن البيئة (حركة الخضر) كرد فعل على الآثار الضارة، التي تسببها ممارسات صناعية واجتماعية شهدها عالمنا المعاصر الأمر الذي جعلهم منشغلين فقط بكيفية إزالة هذه الآثار الضارة على أساس أن الأزمة البيئية تتخطى السياسة وتتخطى الدولة. لكن ذلك كله لم يلغِ حقيقة السياسة ووجود الدولة الأمر الذي اضطر الخضر إلى صياغة نظرية خضراء لدولة خضراء عبر مناشداتهم لضرورة تخضير الدولة.
بناء على هذا المنحى أصبح هدف الخضر سياسياً تطبيق الديمقراطية في الدولة ونزع صفة المركزية عنها وإنقاص حجمها لكن ليس على طريقة الليبراليون الجدد لتكون الدولة أقل اعتماداً على تجميع رؤوس الأموال وعلى النمو الاقتصادي التقليدي أي دولة خضراء مؤلفة من مواطنين خضر اجتمعوا في مجتمعات مدنية صغيرة داخل الدولة وخارجها في آن واحد يرغمون الدول وأنظمة الدول على المستوى الدولي على التغيير كي تصبح الدول خضراء في حد ذاتها، حتى لو تطلب الأمر دخول في صراع من أجل مجتمعات استقامة وعدالة وديمقراطية. فالعالم بحاجة إلى دول ينبغي أن تكون لمواطنين خضر قبل أن تكون على مواطنين وبحاجة من اجل دول خضراء إلى عصيان مدني قبل الطاعة وبحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى مواطنين متمردين لا إلى مواطنين يطيعون القوانين فحسب.
إذن الدولة الخضراء في الفكر الاستراتيجي الأخضر هي الدولة القائمة على سلطة تجسد (السطة لـ) عوضاً عن دولة اليوم القائمة على سلطة تجسد (السلطة على) غير التحررية.
إن الخضر وبقدر تعلق الأمر بموقفهم من الدولة تراجعوا بعد أن أنكروها للقبول بتقوية دولة نظام (سلطة لـ) و/ أو أضعاف دولة نظام (سلطة على). فالدولة عند الخضر كما يرى الخضر اليوم ينبغي أن تكون لنا قبل أن تكون علينا كما لا تكون هي المشكلة ولا جزء من المشكلة، بل لتصبح قوة ايجابية في الانتقال إلى مجتمع مستدام قادر على صناعة وضمان التغيير الاجتماعي والسياسي في ظل دولة خضراء ترى إن المحافظة على البيئة هي مستلزم الدولة الجوهري اقتصادياً وتعمل من أجل الحد من التلوث والمحافظة على الموارد المادية على وفق علاقة تكاملية بين ثقافة سياسية منفتحة والقدرة على الإبداع السياسي البيئي.
لقد تحول الخضر من الموقف المناهض للدولة بعد تعرضهم للنقد المتواصل من خارج النظرية الخضراء ومن داخلها، وتضمن هذا النقد جملة عناصر أبرزها إن الخضر برفضهم الدولة إنما يرفضون الحداثة نفسها وان لديهم وصفاً رومانسياً لماض شاعري يوتوبي في غير محله، وأن دعوتهم للمجتمعات الصغيرة لن تقدر على التعامل مع المشكلات البيئية العالمية لان عدد هذه المجتمعات سيكون أكثر كثيراً من أن يسود التعاون بينها. وكذلك فإن الشائع في البرامج السياسية للخضر هي العدالة الاجتماعية. واعترافاً بحقيقة تعاظم انعدام المساواة الاجتماعية الاقتصادية واشتداد الفقر على الصعيد العالمي أو في داخل المجتمعات. يصعب رؤية كيف يمكن للخضر انتهاج سياسات مساواتية من دون مؤسسات شبيهة بالدولة لسن إجراءات هدفها تقليص انعدام المساواة على اختلاف صورة.
لذلك سيبقى العالم بحاجة إلى دولة لإدارة الشأن العام دولة ستكون خضراء بالمضمون لا باللون فحسب ما دامت ترفل تحت حكم رشيد ليهتم بتوفير القوت والجند والثقة بين الحكام والمحكومين، ودون ذلك فإن القادم هو عدم اليقين في ظل مجتمعات ما قبل الدولة أو مجتمعات الدولة الفاشلة.