د. عبدالله حميد العتابي
قبيل تسلمه منصب الرئاسة في العشرين من هذا الشهر، أثارت تصريحات الرئيس المنتخب دونالد ترامب بشأن الاستحواذ على غرينلاند واستعادة السيطرة على قناة بنما، واعتبار كندا الولاية الأمريكية رقم 51، ردود أفعال متباينة.
كل ذلك يشير الى أن نظرته للقوة الأمريكية مبنية على التوسع الإقليمي، الأمر يمكن عده تحولا صارخا عن الأعراف الدبلوماسية السائدة. والحق فقد يمكن القول إن منهجية ترامب غير التقليدية في الدبلوماسية، التي تتسم بالخطاب التوسعي والتكتيكات غير المتوقعة ستساهم في تشكيل العلاقات الخارجية الأمريكية. ولربما كانت تلك التصريحات استراتيجية ومحسوبة لاستعادة قوة الولايات المتحدة وتركيز ترامب على شؤون نصف الكرة الغربي يعكس اعتقاده بأن نفوذ الولايات المتحدة أقوى فيها مقارنة بمناطق أخرى متنازع عليها مع روسيا والصين حيث النفوذ الأمريكي أضعف. ولتبرير قول ترامب إن السيطرة على غرينلاند ضرورة مطلقة للولايات المتحدة، لأن غرينلاند محورية بالنسبة لصانعي السياسة الأمريكية، نظرا لموقعها الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وروسيا ومن شأن ذلك أن يعزز الأمن العسكري الأمريكي وعلى أوجه الخصوص في مراقبة ممرات الغواصات. وعلى الرغم من تلويح ترامب بالقوة، فقد لا استبعد امكانية شراء الولايات المتحدة لجزيرة غرينلاند مقارنا ذلك بصفقات تاريخية مشابهة. إذ أبرمت الولايات المتحدة الأمريكية مع فرنسا عام 1803 صفقة شراء لويزيانا مقابل 11 مليون دولار، فضلا عن شراء ولاية فلوريدا من إسبانيا مقابل 5 ملايين دولار في العام نفسه كما اشترت ولاية ألاسكا من روسيا مقابل 7.5 ملايين دولار في عام 1867 .
كل ذلك يمكن فهمه في ضوء الجذور الأولى الفكر التوسعي الأمريكي الذي أجد في ترامب وفيا لأجداده الإباء المؤسسين ولاسيما ألأمريكيين الأوائل من البيوريتان، استطاع الآخرين أن يرسوا فهما خاصا لدى المهاجرين الأول مفاده بأن الأرض التي استوطنوها هي منحة سماوية وقد اختار هم الله، لأنهم غامروا بحياتهم وركبوا الصعاب، لذا فقد نشأت نزعة ادعاء يتميز ألأمريكي عن باقي الأجناس، كونهم الأقوى والإصلح والاوفر حظا. ولما كانت الثروة هو معيار التفوق بحسب البيورتان، فقد أصبح الاستحواذ على الأرض هاجس المستوطنين الأوائل. وهذا بدوره جعل الدولة الأمريكية على غير وفاق مع فكرة الحدود والسيادة على اقليم، وأن الحدود الأمريكية إنما هي مشروع مفتوح يمارس نشاطه على أرض غير محدودة وقابلة للاتساع دائما، لذا تحولت نزعة التوسع إلى موروث تناقلته الأجيال اللاحقة لتشكل مع الزمن أيديولوجية راسخة تعبر عن الدور الرسالي للامة الأمريكية انطلاقا من أن الأمريكيين هم (شعب الله المختار) وإن القدر المحتوم يستلزم أن يسطع نورهم على بقاع الارض وشعوبها. فلا عجب أن نرى ترامب يدعو للتوسع.