سلام مكي
كثيرة هي النصوص الدستورية التي مثّلت التزاما على الدولة تجاه المواطن العراقي، ومن أهم تلك النصوص هو نص المادة 30 التي نصت على أن تقوم الدولة بكفالة الفرد والأسرة، وبخاصة الطفل والمرأة والضمان الاجتماعي والصحي... كما أكدت الفقرة ثانيا من ذات المادة على أن تكفل الدولة الضمان الاجتماعي والصحي للعراقيين.. وإن تأكيد الدستور على أهمية الضمان الاجتماعي، دعا الدولة بمؤسساتها الدستورية المتمثلة مجلس النواب والحكومة إلى إيلاء هذا الموضوع أهمية كبيرة، لكونه استحقاقا دستوريا من جانب، اضافة إلى تعلقه بشريحة واسعة ومهمة من المجتمع العراقي، فكان من مظاهر ذلك الاهتمام هو قيام مجلس النواب بتشريع القوانين التي تخدم تلك الشريحة، إضافة وضع التعليمات التي تسهم بشكل كبير في تسهيل تنفيذ تلك القوانين. وعند الحديث عن الضمان الاجتماعي، سيبرز أمامنا بكل قوة، قانون التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال رقم 18 لسنة 2023، وهو قانون، مهم ورائع، ربما يشكل طفرة تشريعية، وأهميته تأتي من أنه جاء لينصف أعدادا كبيرة من العراقيين، ويساهم بضمان حقوق شريحة واسعة من الطبقة العاملة، من حيث أنه ألزم أصحاب العمل، بضمان العمال، وجعل من مؤسسات القطاع الخاص، جهات خاضعة بشكل كامل لرقابة دوائر العمل والضمان الاجتماعي، من خلال منحه تلك الجهات صلاحية الرقابة على أعمال المقاولات والأعمال الخاصة، والمشاريع الاستثمارية، من حيث مدى توافقها مع القانون، اضافة إلى إلزام أصحاب تلك الأعمال بضرورة تسجيل عمالهم في دائرة الضمان الاجتماعي، وفي حال عدم قيامهم بذلك، فلن يحصلوا على مستحقاتهم المالية. أما من ناحية الرعاية الاجتماعية، فقد شهدت الفترة السابقة، خصوصا في بدايات تولي الحكومة الحالية أعمالها، حراكا كبيرا لدى دوائر وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، لغرض شمول أكبر عدد من المستحقين لرواتب الاعانة الاجتماعية، اضافة إلى فئات أخرى تم شمولها كالمعين المتفرغ وغيرها، كصورة من صور التطبيق العملي لنص المادة 30 من الدستور، والتي استطاعت الحكومة العراقية ومجلس النواب وبنسبة طيبة من تطبيقها، عبر ما شرع من قوانين وما صدر من تعليمات لتسهيل تنفيذها، من الوصول إلى أعداد كبيرة من المستحقين للرواتب، وهو ما ساهم إلى حد كبير، بالقضاء على نسبة كبيرة من الفقر، وساعد عوائل كثيرة على تجاوز أزماتها المالية التي كانت تعاني منها في وقت سابق. من جانب آخر، ساهم قانون العمل والضمان الاجتماعي بمنح راتب لمن لا وظيفة له، وأسس لمستقبل أفضل، لمن لا يملكون راتبا تقاعديا، ولا عملا حرا، حيث ساهم بإعطاء رواتب تقاعدية لمن يبادر بالتسجيل على التقاعد الاختياري، وهو أمر لم يكن مألوفا في السابق. وغيرها الكثير من النصوص القانونية التي جاءت لتشكل انعطافة مهمة في التشريع العراقي وتؤسس لفكر قانوني جديد، قائم على ضمان أكبر قدر من الحقوق المالية للمواطن العراقي، بما يضمن مصالح الدولة من جهة ومصالح المواطن من جهة ثانية. إن تطبيق الدولة العراقية، لنص المادة 30 من الدستور، اضافة لتطبيقها نصوصا دستورية أخرى، يؤكد أن المواطن العراقي، يشكل ركيزة أساسية في وجود الدولة، ويجعل منه هما للدولة بجميع مؤسساتها. نعم ثمة نصوص دستورية كثيرة، بحاجة إلى قوانين لتطبيقها، لكن الأهم هو أن النصوص التي تمس أرزاق العراقيين وقوت يومهم، هي من تحظى باهتمام السلطة التشريعية، لتعجل بتشريع المزيد من القوانين، التي تساهم بتحسين معيشة المواطن العراقي، وتبث الروح بالنصوص الدستورية.