زهير كاظم عبود
من يتصفح التاريخ العربي يجد أن الطاغية انسان من أبناء هذا الشعب، مكنته الظروف أن يصبح قائدا أو رئيسا أو مالكا لبلاده، يتدرج في التسلط وممارسة الإرهاب لما يجد فيه من خنوع وتذلل للمقابل، وتمهد له مجموعة من الاتباع صورة الملهم والفذ والمنقذ والملاذ والضرورة والرمز فيصدق ذلك
وتلبسه تلك الصفات حتى يعتقد يقينا انه هبة السماء لأهل الأرض، ويعتقد واهما أن الطاعة والخنوع الذي تظهره الناس ما هو الا شعور بقدراته ومنزلته العظيمة.
ومرت تجارب لقيادات عربية سجلها التاريخ، وخلفت وراءها صفحات من الموت والذل وانعدام الكرامة والفشل الذريع الذي خلفته تلك الأسماء متزامنا مع الصمت والانحناء أمام الامر الواقع، بانتظار ما سيقرره الزمن وما ستفرضه الوقائع والأحداث من مصير لهذه الأسماء، وهي حالة إنسانية تمر بها اغلب شعوب العالم العربي، بالنظر للمفاهيم المتخلفة والأعراف التي أصبحت من سمات قبول الجرائم التي يرتكبها الطاغية، والاخفاقات التي تنتهي بها قراراتهم، ومصادرة الحياة والحقوق والكرامة والنتائج الكارثية التي يدفع بها البلاد دون أن يجد لذلك من حساب أو مراجعة، فالسلطة تحصن الطاغية من الحساب، والصفات التي يتبرقع بها تجعله في مأمن من النقد أو التعارض، ومهما كانت نتائج ومصير تلك القيادات والزعامات التي تفرض قراراتها ورغباتها على كل اهل البلاد وإن كلفتها دماء ملايين الناس، ما دامت تعتقد انها تمارس السلطة وتمسك بالمجد للتوصل إلى الخلود وفق نزوات ورغبات لا تخلو من امراض نفسية وازمات أخلاقية وانعكاس عقد اجتماعية.
ومهما طالت أو قصرت فترة حكم الطاغية لا بد وأن تنتهي، سواء بنهاية عمره الحتمي بالموت الطبيعي أو بالاغتيال أو بغيرها، ومن الطبيعي أن تظهر كل مساوئ الحاكم وسلبياته، وتنكشف جرائمه والافعال التي خالف بها الدستور والقوانين، واهداره للمال العام وللطاقات البشرية، وحين تنجلي مظاهر الخوف والرعب والرهبة التي كان يضفيها على سلطته، وحين تطمئن الناس إلى انتهاء حقبة التهديد والخناق الذي تفرضه أجهزة امن السلطة ومخابراتها، وتنفتح أبواب سجونها وزنازينها، تتحرر الناس وتنطلق في اظهار جميع تلك السلبيات والافعال التي يندى لها الجبين الإنساني ويخجل منها التاريخ البشري، فتظهر عورات القائد وخواء عقله وتفاهة تفكيره، فتظهر الكراهية والحقد، وتلاحقه اللعنات والشتائم أينما كان.
غير أن ما يلفت الانتباه أن أفرادا سواء من بين أبناء المكلومين بمثل هذه القيادات أو من خارجها تعشق الطاغية وتوقره وتمنحه من الصفات ما يتناقض مع سلوكه وتاريخه، ومحبة الظالم والطاغية تعبر عن نوع من أنواع نقص في شخصية من يعشق الطاغية، ولعل ظاهرة رفع صور الطاغية صدام حسين مثلا دقيقا على تلك الظاهرة، ومن يكتوي بنار الطاغية من الداخل ليس مثل المتفرج أو المستمع من الخارج، والتناقض واضح بين ما انتهت اليه هذه الظاهرة في العراق وانزواء من بقي متأثرا بخوفه وانحيازه وخشيته وتوقيره للطاغية والتي عكستها الظاهرة الصدامية، فصدام نكل بالعراقيين واذاقهم الويل والعذاب والفقر والخوف والذل، وأجمع العراقيون بأنه أشهر سفاح في التاريخ العربي الحديث، تطغي جرائمه ليس فقط التي ارتكبها بحق العراقيين بل تمتد لكل العرب حتى لأهل من رفع صورته، واذا كان الطاغية قد بذل من أموال العراقيين ما يلمع صورته ويخفي جرائمه ويشتري التأييد خارج بلاده، فان صورته تبقى مشوهة واستبداده يبقى ملموس، ويداه ملطختان بالدم لا تغسلها صوره.
ندرك جيدا ان رفع صور الطاغية لا يشكل سوى استفزاز ونكأ لجراح العراقيين، وان الهتاف باسم الطاغية يشكل استخفافا بدماء العراقيين وتضحياتهم، وتلويثا للحقائق التي أراد الطاغية ان تطمر، ورفع تلك الصور يمثل امراضا دفينة اشتهر بها بعض العرب بتفرد في عشق الطغاة، وتجسد الاضطراب في السلوك غير السوي في تلك الشخصيات التي لم تجد لها مثالا تقتدي به سوي الطغاة.